فی لیلةٍ دامسةٍ من ليالي الشتاء و أنا مقرورٌ بجنب مدفأةٍ تتطلّع إلىّ من وراء الهبتها الساطعة الوهّاجة و  مرجحة صوتها كأنه نعابُ غرابٍ أذهله البينُ،تذكرتُ بيتاً من قيثارة الدهر المتنبي ، أعزّ مكان في الدنى سرج سابحٍ و خير جليسٍ في الزمان كتابُ،فوثبتُ إلى كتابي،عفواً ، فوثبتُ إلى دنياى التي فيها أصول و أجول،فغطستُ فيه غطسةً كادت تودي بحياتي فإذا بي خرجتُ رأسي من تحت أمواجها العالية و الزَّبد الطافح أعلى المياه الحائرة حتى لمحتُ حرفَ واو طافحٍ على ظهر الماء و تشبثتُ به فمن عطفه و حنانه و تحنانه عطفني على الحاء، الحاء الجميلة ، لا ، لا ، لا أرى فيها أى جمالٍ خلاب يأسر جناني، هذا الحرف ذو بحّةٍ يكاد يغصُّ لافظها، فلفظني فإذا بي بين هذه الحروف الحادة أبحث عن حرفٍ أو ربما صائتٍ أو لعلّ صامتٍ ينجيني من هذا الصمت الصاخب ذى الضوضاء فأركبُ فاءً فهمزة تعلو كرسى واو ثم الف هاوٍ حتى هويتُ من صهوة الألفِ على سرج الدال، و الدال دالّ!!!!كأنه من أصحاب القيافة أو الريافة،... دعني أتبعه لعلّي أشفي غليلي من وراء هذا الحرف، فرُحنا و أقدامنا تتبعنا كأنها ظلالٌ خائنة،نعلو حرفاً و نهبطُ من آخر حتى هَوَتْ رجلي اليمنى بين نقطتى تاء مدورة،عالجتُ نفسي كى أخرج منها ، لم تسعفني طاقتي ، استنزفتْ قواى، أُنهك جسدي، فصحتُ عالياً يا دال يا دال تعال و أنقذني  و أنا في تلك الحالة أسمع صداىَ كأنه يقول لي يا نال يا نال!!!،فهوتْ رجلي اليسرى في وسط بئر التاء المدورة فغرقتُ و أصبحتُ شهيد الحرفِ و  دفنتُ في نهاية الصفحة ليصفحَ عني ربي و يغفر لي ذنباً من ذنوبي و زلةً من زلات قلمي أو ربما لساني أو مقلتي و جناني.

        ليلة الجمعة ۱۲/۲/۹۰   فؤاد الطائي