النّحاة العرب وسبلهم في التأليف

النّحاة العرب وسبلهم في التأليف ـــ محمّد وليد حافظ

يدهش الباحث حين يفتح كشف الظنون على مادة "ألفية ابن مالك" مثلاً، فيجد لها زهاء سبعين خادماً بين شارح ومحشٍ وناظم وشارح شواهد. ويزداد دهشة حين يجد لكافية ابن الحاجب في النحو مئة من الخدمة، بل إن للآجرّومية، وهي الأخرى من مقدمات النحو، ما يزيد على أربعين شرحاً وحاشية في المكتبة الظاهرية وحدها.


هاجم ابن خلدون هذه الظاهرة، أعني ظاهرة كثرة التآليف هجوماً عنيفاً، قال "اعلم أنه مما أضرّ الناس في تحصيل العلوم كثرة التآليف، واختلاف اصطلاحات التعليم، وتعدد طرقها"(1) وهاجمها كذلك المرحوم أحمد أمين الذي عدّ كل ما أُلف في النحو تكراراً لكتاب سيبويه الذي "كان من القوة بحيث كان المرجع في العالم الإسلامي من تاريخ تأليفه. وكل ما فعله الناس أنهم شرحوا غامضاً، أو اختصروا مطوّلاً، أو بسّطوا معضلاً، أما الأسس التي بني عليها الكتاب فبقيت كما هي في النحو والصرف إلى اليوم، من عهد شرح السيرافي لكتاب سيبويه إلى "النحو الواضح" للمرحوم الجارم بك"(2).

وعزا المرحوم أحمد أمين هذه الظاهرة إلى أن النحو العربي ظل متأثراً طوال حياته بنظرية العامل التي قدمها سيبويه في كتابه، فالفاعل مرفوع بالفعل، والمفعول به منصوب بالفعل. وإذا لم يوجد عامل ظاهر قدر عامل مستتر. ولم يستطع ابن جني –392هـ وابن مضاء الأندلسي- 593هـ تحرير النحو من هذه النظرية(3).

وقد أجمل صاحب كشف الظنون أنواع التآليف فيما يلي، وهي أنواع تنطبق على عالم النحو:

1-مختصرات تجعل تذكرة لرؤوس مسائل ينتفع بها المنتهي للاستحضار، وربما أفادت بعض المبتدئين الأذكياء.

2-مبسوطات تقابل المختصرات، وهذه ينتفع بها للمطالعة.

3-متوسطات، وهذه نفعها عام للمبتدئ والمتوسط والمنتهي(4).

ونظن ظناً أن صعوبة النسخ وتكاليفه كانت وراء تأليف المختصرات، ثم الاتجاه في القرون المتأخرة إلى تلقين النحو لا إلى تفهيمه، ونظن كذلك أن هذه المختصرات اشتغل بها المعلمون، يستعينون بها في استحضار أفكار الموضوع، ويشرحونها لطلابهم شروح المختصرات المتخذة كتباً تعليمية، كألفية ابن مالك والمقدمة الآجرومية.

هاجم ابن خلدون هذه المختصرات موضحاً أضرارها، قال: "ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها، وهو فساد في التعليم، وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه خلطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه، هو لم يستعد لقبولها بعد. وهو من سوء التعليم كما سيأتي، ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها، وصعوبة استخراج المسائل منها، لأن ألفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت. ثم بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة بكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين. وإذا اقتصر عن التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة، فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين فأركبوهم صعباً يقطعهم على تحصيل الملكات النافعة وتمكنها"(5).

وتفهم بسهولة مرامي ابن خلدون من هذا الموقف، وهي:

1-عدم إرهاق المبتدئ في التعلم بما لا يستطيع فهمه.

2-عدم إرهاق المبتدئ بتتبع ألفاظ الاختصار، وتضييع وقته.

3- فائدتها –إن كان لها فائدة- أقل من فائدة المبسوطات.

ويلاحظ أن بعض شارحي الكتب النحوية ألّفوا الأنواع الثلاثة على ...

ادامه نوشته

ملامح الوصل والفصل بين العربية والفارسية

ملامح الوصل والفصل بين العربية والفارسية ـــ د. محمد خاقاني*‏

*أقيمت دراسات عديدة وبحوث مكثفة تسلط الضوء على مدى التفاعل الحيوي بين اللغتين العربية والفارسية وآدابهما، قام بها كبار الأدباء الذين درسوا هذه العلاقة، علاقة قلما نجدها بين أية لغتين من اللغات الأخرى.‏


إن حيوية أية لغة وتطورها المنبثق من تطور المجتمع البشري طوال التاريخ تفرض على الضالعين في كل أدب أن يخوضوا ويناقشوا نوعية الصلات اللغوية بين كل شعب وجيرانه. إذ إن اللغة مجتلى النفوس البشرية وآية لإبداع العقل، ولا يمكن اعتبارها كمجرد أداة للتعبير عما في النفوس والأفكار، بل تتجاوز هذا الحد بتأثيرها الفاعل في نفس المتكلم والمخاطب من خلال صبغ المضامين بصبغتها.‏

وحيث إن الفكر الإنساني حقيقة لا يمكن حصرها في شعب دون آخر والثقافة البشرية لم ولن تخضع لمعايير الجمارك والحدود، فكذلك اللغة التي تحمل معطيات هذا الفكر تمتزج بأخواتها وتقفز وراء الشعوب والأمم.‏

الدراسات الألسنية في القرن المعاصر تلقي الضوء على مساحات واسعة من هذه التفاعلات بين مختلف اللغات الحية العالمية، لكننا قلما نجد لغتين منفصلتين تماماً من حيث أصولهما ومبادئ الاشتقاق والتصريف فيهما، قدّر لهما أن تتلاحما وتتكاثفا بمقدار ما نراه ونلمسه بين العربية والفارسية.‏

سنتطرق لبعض العناوين التي تمثل لنا مدى هذا التلاحم والتفاعل المشترك بين هاتين اللغتين الشقيقتين، لكن لابد أولاً من الوقوف وبكل أسف عند المؤامرات السياسية والثقافية الاستكبارية التي ساهمت في القرن الأخير في فصل هذا المسار المشترك (1)، وفازت اللغات والثقافات الغربية بالسبق في التأثير على الفارسية والعربية بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي الغربي من جانب وانحياز النظام الإيراني السابق والأنظمة العربية كل على حدة إلى الأطروحات السياسية والثقافية الغربية، وهكذا انبهار المثقفين الفرس والعرب أمام أعمال المستشرقين الذين كثفوا جهودهم في الدراسات اللغوية والأدبية الشرقية من جهة أخرى.‏

وإلى جانب هذا الانتماء نحو الغرب نجحت المؤامرات العدوانية في إبعاد الأدبين بزرع بذور النفور والاحتقار بين الشعبين مستغلة جميع بوادر الخلاف الثقافية والدينية والقومية التاريخية، حيث اقتصرت جهود العلماء الإيرانيين المهتمين بشؤون اللغة العربية وآدابها في الحوزات العلمية على النصوص الإسلامية الأولى وتمحورت الدراسات في الجامعات الإيرانية على الأدب الجاهلي وآداب العصور الماضية دون اهتمام جدير بمستجدات الأدب العربي المعاصر، كما أفضت الأوضاع إلى جهل المثقفين العرب شبه الكامل بهوية الأدب الفارسي الذي قد لا نجد عنه مقالاً واحداً في كثير من الجرائد والمجلات العربية المختصة بالآداب الأجنبية.‏

يكفينا اعتراف أحد أبرز أدباء العرب المعاصرين "الدكتور: طه حسين" بعدم تعرف العرب على الأدب الفارسي: "وقد كان علمنا بشؤون الأدب الإيراني ضيقاً محدود الوسائل لا نستطيع أن نلتمسه عند أهله وإنما نلتمسه عند

ادامه نوشته

ما أخذه العرب من اللغات الأخرى

ما أخذه العرب من اللغات الأخرى ـــ د.مسعود بوبو

مدخل:

مـن المتّفق عليه في علم الإنسان، أو علم الأجناس (الانثروبولوجية Anthropology) أنه ما من عرق بشري نقي الدم تماماً، إلا في استثناءات نادرة تنطبق على سلالة مغلقة اجتماعياً أو جغرافياً إغلاقاً حجز بينها وبين الآخرين. ومثل هذا الحكم يمكن أن يطلق على اللغات. فثمة مجموعات بشرية صغيرة اتخذت لنفسها رموزاً إشارية أو صوتية للتفاهم والتواصل واصطلح على تسميتها لغة. فإذا قُيِّض لمثل هذه المجموعات أن تبقى معزولة عن الآخرين، منقطعة الصلة بما حولها أمكن أن تَسْلَم لغتها من الدخيل. وهذا، وإن كان مستبعداً، يوحي بأن أصحابه خاملون أو يخشون الآخرين، أو إنهم شديدو التعصب والعزلة والرفض للآخر. ولا شيء من هذا يمكن أن يُنسب إلى العرب. فللعرب لغة قديمة عريقة امتدت على مدى تاريخي طويل، وعلى مساحة جغرافية فسيحة. ولم يكن العرب خاملين ولا منعزلين عن غيرهم أو متعصبين تعصباً يملي عليهم الحذرَ من الآخرين أو رفضَهم. لقد كانوا على صلة بالحضارات المجاورة، وعلى حوار إنساني مع الأمم والشعوب الذين احتكوا بهم في التجاور والتجارات والمصاهرة والسفارة والمحالفات والولاء والوكالات والهجرة والحروب.

لقد كان للعرب صلات وثيقة بالفرس عن طريق المناذرة في الحيرة ودومة الجندل وجنوبي العراق، كما كان لهم صلات وثيقة بالروم عن طريق الغساسنة في منطقة دمشق وما جاورها، وفي الجنوب اتصل العرب بالأحباش عن طريق الهجرة والحروب وعلاقات الجوار المتنوعة. وعن طريق المعاملات التجارية أقام العرب أنواعاً من الصلات بهذه الأطراف كلها، فضلاً عن صلتهم بالهند والصين منذ القديم(1). ولا يعقل أن تبقى العربية بعد هذا خالية من مؤثرات أصحاب هذه اللغات، بل ستأخذ منها من الألفاظ والمصطلحات والمسميات بالقدر الذي تستدعيه طبيعة العلاقة والتعامل. ولا ننس أن مكة المكرمة كانت مركزاً دينياً وجغرافياً وتجارياً في قلب جزيرة العرب، وهذا جعل منها ملتقى للتجار ومحطة للقوافل التجارية العابرة من الشرق إلى بلاد الشام وأوربة، ومن المنتظر أن يفتح هذا باباً للتبادل اللغوي، وللأخذ والعطاء والمحادثة والمحاورة وغير ذلك مما سيخلّف آثاراً لغوية لا سبيل إلى تجنبها.

وقبل أن نبسط القول في تفصيلات ما اقتبسه العرب من غيرهم يحسن أن نوضح بعض ما يحيط بهذا الموضوع من ملابسات، وأن نقف عند اختلاف العلماء في النظر إلى ظاهرة الدخيل اللغوي في هذه المنطقة من العالم. ولا معدى لنا في الخطوة الأولى عن الوقوف عند مفهوم الدخيل، ثم مفهوم المعرّب حتى نسمي الأشياء بأسمائها في منأى عن قلق التفسير والاجتهاد.

ولعلّ الأصل اللغوي العربي "دخل" يسعفنا بدلالته القديمة على تعريف مصطلح الدخيل اللغوي بدلالته المتأخرة، فالدخيل أصلاً: الذي يُداخلك في أمورك(2) و"فلان دخيل في بني فلان إذا كان من غيرهم فتدخل فيهم"(3). و"الدخيل: المُداخل المُباطن.. وداء دخيل: داخلٌ، وكذلك حبّ دخيل(2).

أما مصطلح الدخيل اللغوي عند صاحب اللسان فلا يعدو أن يكون إشارة مجتزأة إلى جوهر المصطلح...

ادامه نوشته

تاريخ اللسانيات

تاريخ اللسانيات هو التاريخ المتعلق بنشوء و تطور علم اللسانيات (اللسانيات أو اللغويات Linguistics) هو العلم الذي يهتم بدراسة اللغات الإنسانية و دراسة خصائصها و تراكيبها و درجات التشابه و التباين فيما بينها يعود تاريخ اللسانيات المعروف لبضع آلاف من السنين، ويعود الدرس اللساني الأقدم توثيقاً للهند حيث لعبت العقيدة الدينية دوراً هاماً في التأسيس له حوالي 2500 ق.م حين لاحظ الكهنة أن اللغة التي يستخدمونها في شعائرهم تختلف عن لغة الفيدا Veda (النصوص المقدسة المصاغة بلغة الهند القديمة) واعتقدوا أن نجاح بعض الطقوس يحتاج لاستخدام اللغة القديمة مما يستلزم إعادة إنتاجها، فقام كاهن يُدعى بانيني Panini قبل ألف سنة من الميلاد بتقنين القواعد النحوية الحاكمة للغة السنسكريتية حتى يمكن استخدامها كلغة طقوس دينية دائمة. بدأ الفلاسفة اليونانيون الاهتمام الأوروبي باللسانيات بدءاً بمعلمهم الأول أرسطو حين اهتموا بدراسة العلاقة بين الأشياء والأفعال وأسمائها للتعرف على القواعد التي تحكم اللغة وصاغوا مبادئ النحو، واهتموا في القرن الثالث قبل الميلاد بالدرس البلاغي فقسموا مفردات اللغة إلى أسماء متعددة الصيغ، وأفعال تحدث في أزمنة مختلفة، ثم حددوا (أشكالاً للخطاب).

التزم الرومان بالقواعد النحوية اليونانية في اللغة اللاتينية إلا أنهم توسعوا في الشروح المميزة للأساليب اللغوية اللاتينية ومجالات استخدامها، وتم تحديد أشكال الخطاب قياساً على بعض النصوص اللغوية كأعمال رجل الدولة والخطيب المعروف شيشرو Marcus Tullius Cicero في القرن الأول الميلادي، و بحلول القرن الرابع الميلادي صاغ اللغوي الروماني آليوس دوناتس Aelius Donatus صيغ عامة للنحو اللاتيني، وشرح اللغوي بريسكيان Priscian هذه القواعد بعد مائتي سنة أي في القرن السادس الميلادي، وبقيت على ما هي عليه حتى الآن، واستخدمت كمعايير قياسية للغات الأوروبية الأخرى حتى القرن السادس عشر الميلادي تقريباً، وبقيت كتبها مراجع للغات الأوروبية التي ظهرت بعدها، وظلت اللاتينية الأكثر انتشاراً حتى شهدت نهاية القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر مع تحول اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى لغات عالمية احتلت موقع اللاتينية، وساعد على ذلك اختراع الطباعة الذي جعل نصوص هاتين اللغتين المطبوعة متوفرة بشكل كبير، ونشأ علم الصوتيات Phonetics الذي دفع علماء اللغويات للمقارنة بين اللغة السنسكريتية واللغات الأوروبية، وأدى إلى نشوء الدراسات اللغوية الهند أوروبية.

 اللسانيات المقارنة

أسس السير ويليام جونز William Jones علم اللسانيات المقارن (بالإنجليزية: COMPARATIVE LINGUISTICS) في نهاية القرن الثامن عشر لدراسة وتحليل النصوص المكتوبة بلغات مختلفة لكنها ذات صلة، وأشار إلى وجود علاقة بين كل من اللغة اللاتينية، واليونانية، والسنسكريتية توحي بنشوئها من مصدر واحد نتيجة ما لاحظه من تشابه معاني (أصوات متشابهة) في اللغات الثلاث فعلى سبيل المثال كلمة frater اللاتينية، وكلمة phrater اليونانية، وكلمة bhratar في اللغة السنسكريتية تعني كلها (أخ) مما دفع بعض علماء اللسانيات لدراسة العلاقة بين اللغات المختلفة، والتفاعلات الناشئة عن حوار متحدثين من خلفيات ثقافية مختلفة، ومساعدة الراغبين في تعلم لغات غير لغتهم الأصلية بعدما.

واهتمت اللسانيات بدراسة كيفية تشكل كلمات اللغات المختلفة لتكوين معاني متشابهة، ومقارنة هذه اللغات وأطلق على عناصر تشابه اللغات مصطلح صلة القرابة genetic relationships وكون اللسانيون عائلات لغوية صاغوها على شكل (شجرة عائلة) لكل مجموعة من اللغات ذات المنشأ الواحد من أبرزها: شجرة اللغات الهند أوروبية: وتضم السنسكريتية، واليونانية، واللاتينية، والإنجليزية، والألمانية، ولغات أوروبية وأسيوية أخرى.

  • شجرة لغات الجونكوين Algonquian: لغات سكان أمريكا الشمالية الأصليين.

تنتمي اللغة العربية إلى العائلة الفرعية للغات السامية التي تُقسم إلى أربع مجموعات:

  • المجموعة الأولى (مجموعة الشمال الأقصى) وتمثلها اللغة الأكادية (الأشورية البابلية) أقدم اللغات السامية الموثقة، وسادت بين النهرين خلال الفترة من عام 3000 ق.م حتى القرن الميلادي الأول.
  • المجموعة الثالثة (مجموعة الجنوب الأوسط) وتضم اللغة العربية الفصحى، واللهجات العربية الإقليمية الحديثة، واللغة المالطية.
  • المجموعة الرابعة (مجموعة الجنوب الأقصى) وتضم لهجات جنوب الجزيرة العربية المنحدرة من أصول قديمة كلغة مملكتي معين و سبأ، واللغة الأمهرية، واللغة الإثيوبية التقليدية ولغات أثيوبية إقليمية مثل التيجري Tigré والتيجرينيا Tigrinya والجوراج Gurage.

وللتعرف على تاريخ انفصال لغات عائلة لغوية عن بعضها البعض يستخدم اللسانيون كلمات يسمونها (الكلمات الثوابت culture free) تتميز بخاصية الثبات وعدم التغير على مر الزمن كون أصحاب اللغة يقاومون تغيير هذه الكلمات لأن لها قيمة ثقافية خاصة مثل كلمات (أم ـ أب ـ أخ ـ رأس ـ عين ـ أرض .. الخ) فيقوم اللسانيون بجمع هذه الكلمات في قوائم كل قائمة تخص لغة معينة من العائلة اللغوية، ويجرون عليها عمليات رياضية إحصائية، يستخلصون من نتائجها التاريخ الذي انفصلت فيه هذه اللغات عن اللغة الأم.

اللسان العربي المبين

اللسان العربي المبين - د. جعفر دك الباب

تعتبر هذه المقالة الثالثة في سلسلة مقالاتي التي تفضلت هيئة تحرير "التراث العربي" بالموافقة على نشرها، ويمكن تسمية السلسلة (التراث اللساني العربي في ضوء اللسانيات الحديثة). كنت قد بدأت هذا الاتجاه في البحث عام 1968 حين شرعت بتحضير رسالة الدكتوراه في جامعة موسكو في اختصاص اللسانيات التاريخية والمقارنة. وفي رسالتي التي كتبتها بالروسية ودافعت عنها عام 1973، عرضت نظرية الإمام الجرجاني اللغوية التي تضمنها كتاب "دلائل الإعجاز في علم المعاني" وقارنتها بالنظرية اللسانية الحديثة(1)، وطالبت بأن تحتل نظرية الجرجاني عن جدارة موقعاً بارزاً في اللسانيات الحديثة. وتابعت السير في اتجاه دراسة التراث اللساني العربي في ضوء اللسانيات الحديثة خلال فترة تدريسي في الدراسات العليا في جامعة دمشق، فحددت الملامح العامة لاتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية الذي بلوره ابن جني في "الخصائص" والإمام الجرجاني في "دلائل الإعجاز في علم المعاني" في نظريتين متتامتين(2).‏


كانت المقالة الأولى في هذه السلسلة بعنوان "إعجاز القرآن وترجمته"(3). عرضت فيها –انطلاقاً من نظرية الإمام الجرجاني اللغوية- رأي الجرجاني في إعجاز القرآن الكريم. وبينت أنه يقول بضرورة عدم التمييز بين معان أصلية ومعان ثانوية للقرآن، لأن القرآن معجز في جميع مواضعه. وأشرت إلى أن الجرجاني يؤكد ضرورة الربط بين النحو والبلاغة، لأن فصل البلاغة عن النحو يؤدي إلى القول إن القرآن الكريم معجز فقط في بعض مواضعه، وقررت في نهاية المقالة أن الترجمة الجيدة للقرآن الكريم يجب أن تكون للمعاني وأن تنطلق من فهم الخصائص البنيوية للغة التي تتم الترجمة منها واللغة التي يترجم إليها.‏

وكانت المقالة الثانية في هذه السلسلة بعنوان "الخصائص البنيوية للفعل والاسم في العربية"(4). عرضت فيها تميز مفهوم (الكلمة) في علم اللغة العربية عن مفهوم (الكلمة) في علم اللغة الأوروبي، نتيجة لاشتمال النظام اللغوي للعربية على طريقة اندماج (أو اتصال) الكلمات. كما بينت خصائص بنية الفعل والاسم في اللسان العربي، وحددت في ضوء تلك الخصائص أنماط التراكيب في العربية. وقد تطرقت بصدد ذلك إلى العوامل في النحو، وأشرت إلى المنهج البنيوي الوظيفي للإمام الجرجاني في الدراسة النحوية، ولخصت نظرته الوظيفية إلى الإعراب.‏

وفي هذه المقالة الثالثة من السلسلة والتي تحمل عنوان "اللسان العربي المبين" أطرح السؤال التالي: هل تكفي معرفة الخصائص البنيوية للتراكيب في العربية لفهم معاني القرآن الكريم؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة مجدداً إلى البحث في إعجاز القرآن البلاغي، وتحديد مزايا اللغة التي أنزل القرآن بها ...

ادامه نوشته

اللسـانيات والتـرجمـة

اللسـانيات والتـرجمـة ـــ أ. عمر لحسن*
- المقدمة:


اللغة وعاء الفكر والثقافة الإنسانية، وهي تؤدي –في المجتمع –وظيفتين متميزتين:

وظيفة آنية باعتبارها أداة للتواصل بين أفراد المجتمع ونقل الدلالات إلى المتلقي، ووظيفة زمانية تاريخية باعتبارها وسيلة لحفظ تراث المجتمع العلمي والفني والثقافي، ونقله إلى الأجيال المتعاقبة. ونظراً إلى هذه الأهمية التي اكتسبتها اللغة، فقد حظيت باهتمام الباحثين والعلماء عبر العصور، أدى هذا الاهتمام إلى ظهور علوم لغوية متعددة ومتنوعة شملت جميع مستويات اللغة، منها علم الأصوات، وعلم النحو والتركيب، وعلم الصرف، وعلم الدلالة... الخ كما ظهرت مدارس متنوعة ونظريات متميزة، ساهمت كلها في إثراء البحث اللساني عبر التاريخ.
- اللسانيات علم حديث:

وعلى الرغم من هذه الدراسات اللغوية التي شهدتها أغلب الأمم على مرّ العصور التاريخية المتعاقبة، فإن اللسانيات بقيت تتخبط في اعتبارات منهجية لا تمت إلى العلم بصلة، مثل أصل اللغة، وتاريخ الأسر اللغوية والمقارنة بين اللغات –وبخاصة بعد اكتشاف اللغة السنسكريتية –وهي كلها قضايا ومباحث لم تؤد إلى نضج اللسانيات أو تطورها في الاتجاه الصحيح. ولم تظهر في صورتها الحالية إلا في مطلع هذا القرن على أيدي أبي الدراسات الوصفية الحديثة –على حد تعبير الدكتور رمضان عبد التواب (1) –فرديناند دو سوسير الذي يعد "الشخصية الرئيسية في تغيير مواقف القرن التاسع عشر لمواقف القرن العشرين على نحو مهم هي اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير، الذي عرف أولاً في المجتمع العلمي من خلال مساهمة مهمة في علم اللغة الهند وأوربي المقارن، بعد دراسته في ليبزج مع أعضاء مدرسة القواعديين الجدد" (2). فقد أصبح من التقليدي أن نعتبر فردينان دي سوسير "أبو" اللسانيات، فبفضله كسبت الدراسة اللسانية مرتبة العلوم (3).

وقد ظهر دو سوسير ضمن "مناخ معرفي محكوم بالنسيج المعرفي الذي كان سائداً طيلة هذا القرن [التاسع عشر] حيث كان يسود جل المعارف والعلوم منزعان بهما تحددت فلسفة المناهج المعرفية كلية: فأما أولهما، فهو منزع الوعي بأثر التاريخ وفعله في صيرورة الإنسان، وأما ثانيهما فمنزع البحث عن القوانين المتحكمة في كل الظواهر: الطبيعية منها والاجتماعية" (4).

فكان دو سوسير اللغوي الوفي لروح عصره قد تثقف بثقافته، وامتثل لمناهجه. وقد حملته ظروفه على التجوال بين سويسرا وألمانيا، فكان متمثلاً لخصائص الثقافة الأوروبية من أغزر مواردها؛ فقد زاوج في تكونه بين التعلم في جنيف وليبزغ، حيث أعد رسالة دكتوراه حول استعمال المضاف المطلق في اللغة السنسكريتية، ثم استقر بباريس من سنة 1880 إلى سنة 1891، فتولى تدريس النحو المقارن بمعهد الدراسات العليا، وأعد أطروحة حول نظام الحركات في اللغات الهندية الأوربية:

le systéme des voyelles dans les langues indo"- européénnes"

ثم عاد إلى موطنه جنيف، فاضطلع بتدريس اللسانيات العامة إلى آخر حياته سنة 1913، حيث وافته المنية.

أما كتابه "محاضرات في اللسانيات العامة " cours de linguistique générale"، فهو ثمرة المحاضرات التي كان قد ألقاها في جامعة جنيف، وجمعها اثنان من طلبته بعد وفاته هما شلرل بالي Charles Bally وكلود سيِشيهاي Claude Sechehay، وقاما بنشره سنة 1916، "بقدر ما أمكنهم إعادة بنائها نقلاً عن كراسات محاضراتهم ومحاضرات آخرين ومواد معينه كانت باقية بخط دو سوسير (5). ولم يتأخر الفكر العالمي عن الاهتمام به، فقد ظهرت ...

ادامه نوشته

أجمل ما كتب شعراء العربية

يقول أبو تمام:

إذا جاريتَ في خلقٍ دنيّاً                   فأنتَ و من تجاريه سواءُ

السرىّ الرفاء:

و شمائل شهد العُداةُ بفضلها          و الفضلُ ما شهدتْ به الأعداءُ

يقول المعري:

أولوالفضل في أوطانهم غرباءُ           تشذُّ و تنأى عنهم القرباءُ

أحمد شوقي:

الناسُ صنفانِ:موتى في حياتهم     و آخرون ببطن الأرض أحياءُ

و هذه ابيات اقترح اضفائها الأخ الفاضل الأستاذ حبيب الداغري:

زهير ابن اب سلمي :.
ومن لايصانع في امور كثيرة        يضرس بانياب ويوطئ بمنسم

المعري:
تلك النوابح خالت بدر ليلتها        قرصا وضنت ثريا اليل عنقودا

شوقي ضيف و النحاة

مع الدكتور شوقي ضيف في مقدمة الردِّ على النحاة ____ د. جميل علُّوش

قدّم الدكتور شوقي ضيف لكتاب "الرد على النحاة" لابن مضاء القرطبي بمقدمة ضافية جعلها مدخلاً للكتاب، تحدث فيها عن عصر الكتاب ومؤلِفه ثمّ وصفَ نسخة الكتاب وبحث في تحقيق نسبتها إلى المؤلف. وأوردَ بعض الآراء البارزة التي قام عليها الكتاب، وعلى رأسها إلغاء نظرية العامل والعلل الثواني والثوالث والقياس والتمارين غير العملية مما أطالَ في شرحه وترويجه صاحب كتاب الرد على النحاة، كما أطال الدكتور ضيف في شرحه لآراء المؤلف وتوضيحه لها والإشادة بما توسمَ فيها من محاسن ومناقب.‏


ولقد عرض ذلك كلّه بطريقة توحي أنّه لم يقرأ كتاباً نحويّاً من قبلُ ولم يمتلئ ذهنه بشيء من آراء النحاة ومذاهبهم ونظرياتهم. فقد تقبل كل ما كتبه ابن مضاء في الموضوع واعتبره كلاماً منزلاً من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلم يوجه إليه أي اعتراض ولم يسجّل عليه أي مأخذ ولم يحاسبه على أية هفوة بل نظر إلى ما كتبه في الرد على النحاة وكأنّه الحقيقة الناصعة والحجة الدامغة لا ينفذ إليه الخطأ ولا يتسرّب إليه الوهم.‏

ليسَ هذا فحسْبُ بل تجاوز ابن مضاء إلى مواقف لا يقبلها ابن مضاء ولا غيره من يُعدّون في النحاة المترخصين المتهاونين بلهَ المتشددين المحافظين. وأنكى من ذلك كلِهِ أنّه جعل من نظرية ابن مضاء مدخلاً لتسهيل النحو ولنظرية بقي يدعو إليها ويبشر بها طول حياته بحيثُ كتب حولها كتاباً مستقلاً أصدره قبل بضع سنوات وأطلق عليه اسم "تجديد النحو" وقد تحدثت عن هذا الكتاب في غير هذا الموضع وبينَتُ مواطن الضعف والتقصير فيه وتخلخل الأساس الذي قامَ عليه.‏

ولمّا كانَ كتاب الرد على النحاة لابن مضاء هو الشرارة التي أشعلت في ذهن الدكتور ضيف فكرة تسهيل النحو، وحفزته لأن يُكوّن منها نظرية يدعو لها ويجاهر بها ويعتدُّها السبيل الوحيد لتسهيل النحو وتخليص النشء -على زعمه- من عقده وإشكالاته، فقد أحببت أن أعود إلى مقدمة ذلك الكتاب وما استوحاه من تلك المقدمة من آراء وتخريجات تجاوزت ما رسمه ابن مضاء وما دعا إليه. ويؤخذ على الدكتور ضيف من ناحية عامة ما يلي:‏

أولاً- أنّه كما سبق أن ذكرتُ لم يجد في كتاب "الرد على النحاة" على ما فيه من عنف وتطرف شيئاً يستحق المحاسبة أو النقد. فقد قبله على علاته وجعله له منهجاً وإماماً.‏

ثانياً- أنّه لم يقف عندما رسمه ابن مضاء في كتاب "الرد على النحاة" بل تجاوزه إلى آراء ومواقف تعدّ خروجاً على النحو وقدحاً في المنطق الذي قام عليه.‏

ثالثاً- أنّه جَعَلَ التسهيل غايته الأساسية فيما كتب بهذا الصدد. ومع أنّ التسهيل غاية مهمة في النحو المدرسي التعليمي، فإنه من الجدير بالتنبيه أنّ التسهيل ينبغي ألا يتناقض مع ما ثبت ورسخ من أصول النحو وقواعده.‏

ولأنّي مهتم أصلاً بموضوع النحو فسأغضُّ البصر عما كتبه شوقي ضيف عن المخطوطة والمؤلف وآراء المؤلف البارزة في ذلك الكتاب. فكل ما يهمني هنا هو أن أناقش شوقي ضيف في عدد من

ادامه نوشته

دَوْر التعريبْ في تأصيل الثقافة الذاتيّة العربيّة ـــ عبد الكريم اليافي

دَوْر التعريبْ في تأصيل الثقافة الذاتيّة العربيّة ـــ عبد الكريم اليافي

يشتمل هذا البحث على قسمين: يتناول أولهما قضايا التعريب من الناحية التاريخية وهو بمثابة التوطئة وإن طالت، ويتضمن ثانيهما تشوّفات الحاضر واستشرافات المستقبل في تأصيل الثقافة الذاتية العربية من خلال التعريب وهو هدفنا في هذا البحث.‏


-1-‏

*معنى التعريب:‏

قد يكون للفظ الواحد في كل لغة معان متعددة، وكذلك الشأن في اللغة العربية. والتعريب من الألفاظ المتعددة المعاني أي المشتركة. وهو مصدر عرّب بالتضعيف. يُقال عرّب فلان منطقه هذّبه من اللحن، وعرّب الاسم الأعجمي تفوّه به على منهاج العرب وصيره عربياً، وعرّب عن صاحبه تكلم عنه واحتج له. وقد ورد قولهم: أعرب الأعجمي وتعرّب واستعرب كل هذا للاغتم إذا فهم كلامه بالعربية. والأغتم من لا يفصح شيئاً. وللفظ عرّب معان أخرى نضرب صفحاً عن ذكرها لأنها بعيدة عن الموضوع الذي نعالجه.‏

ولقد تدرج لفظ عرّب بهذه المعاني المتقاربة بعض الشيء منذ القديم إلى معنى ترجمة النصوص الأجنبية ونقلها إلى العربية وتعليم العلوم الأجنبية بالعربية، وهو موضوعنا في هذا البحث.‏

*الإنسانية كيان واحد:‏

إن الذي ينظر إلى تطور الإنسانية نظرة عامة تشمل أحقاب الزمن البعيدة حتى العصر الحاضر لا يساوره الشك في أنها كيان واحد ينمو ويتقدم وتسري فيه شريانات التكامل مشتبكة على الرغم من الخلافات الناشبة والأمراض الفتاكة والحروب المدمرة والانحرافات المضللة. وليست الشعوب التي تحتويها الإنسانية منعزلاً بعضها عن بعض الانعزال كله ولا منطوياً بعضها على نفسه انطواء مطبقاً، بل بينها دائماً نصيب من الاتصال والارتباط ضئيل أو جسيم. ومثل هذا الارتباط والاتصال والميل إلى التقارب والتعارف أشد ما كان البشر شعوراً به اليوم، إذ ازداد عددهم ازدياداً كبيراً وتقدموا في العلم والصناعة وضروب التقنية الحديثة، فانتشرت الصحف والمجلات التي تحمل أخبار المجتمعات وأحوالهم انتشاراً واسعاً، وشاعت الإذاعات التي تبث أمواجها السمعية والبصرية في الفضاء فتبلغ كل مكان. وكذلك وصل الهاتفان السلكي واللاسلكي الأقطار المتباعدة وصلها الأقطار المتقاربة. ثم إن القاطرات والسيارات ناهبة المكان والسفن البخارية عابرة المحيطات والطائرات النفاثة ثم الصواريخ في المستقبل القريب تشج بين داني الأرض وقاصيها وتيسر الأسفار والرحلات وتختصر الأزمنة والمسافات وتقضي مع الأقمار الصناعية إلى ضرورة التعاون العلمي والتعاون التقني الدوليين وما إليهما من شؤون.‏

وكما أن ارتباط الأمور الثقافية والاقتصادية والصناعية والسياسية بعضها ببعض واضح لا ريب فيه في القطر الواحد كذلك طفق يتضح في العصر الحاضر ارتباط هذه الأمور في القطر أو الدولة بأمثالها في الدولة الأخرى أو القطر الآخر، مهما أُقيمت الحوائل والسدود تلقاء الاتصال والتعاون، لأن كل تقدم للإنسانية يقتضي بطبيعة الأمور هذا التعاون والاتصال.‏

ثم إن حصائل العلوم في العصر الحاضر وثمرات الحضارة الراهنة ليست هي من مبتكرات شعب واحد من الشعوب أو عرق ممتاز من العروق وإنما شاركت فيها فئات كثيرة وزمر متعددة كالجنود مجهولين ومعروفين في غمار شعوب جمة. ولئن كان ...

ادامه نوشته

النحو البغدادي

 



الدّرسُ النحوي في بغداد أم مدرسَة بغداد النحويّة؟ - د.محمد قاسم

بدهي القول أن الدرس اللغوي العربي متأثر بالدراسات اللغوية الأجنبية، لأن أكثر الدارسين العرب في عصرنا تلامذة لأساتذة غربيين أو لمناهج غربية. وليس في ذلك افتئات على مكانة باحثينا؛ ولا انتقاص من قدر الجهود التي بذلوها في سبيل تحديث النظرة إلى لغتنا، وتجديد الأساليب المتبعة في دراسة ظواهرها المختلفة.‏

والملاحظ أن بعض الدارسين المحدثين بدؤوا يطبقون معايير حديثة على ظواهر قديمة تطبيقاً محكماً ودقيقاً وصارماً من غير مراعاة لظروف الزمان والمكان، ولتفرّد اللغات وتميّزها بخصائص ليست مشاعاً، ويخضعون الدرس اللغوي القديم لضوابط لم تكن قائمة آنذاك، وانتهوا إلى نتائج بخست جهود السابقين، وألغت مكانتهم ووجودهم في بعض أحكامهم التحديثيّة.‏

أولاً- طابع المدرسة البغدادية:‏

قال الأقدمون بوجود مدرستي البصرة والكوفة النحويتين، وتابعهم في ذلك جلّ المحدثين حتى صار وجودهما من المسلّمات التي لا يجادل فيها إلا المكابرون. أما مدرسة بغداد فليست قائمة في نظر بعض الدارسين القدامى لأنها لا تملك نهجاً خاصاً، ولم تقدّم جديداً في دراساتها النحوية، وجلّ ما قامت به في نظرهم قضاؤها على التطرّف في التحزّب لإحدى المدرستين الأوليين، وكأن صراع الضدّين لا بدَّ من أن ينتهي إلى وجود موقف تلفيقي وتوفيقي يجمع بين الرأيين، ويقرّب
ادامه نوشته