النحو العربي و النحو الهندي

   النحو العربي و النحو الهندي

                                     (في الرد على كتاب النحو الهندي و العربي للدكتور فتح الله مجتبايي )                                              

  بقلم: فؤاد الطائي

المقدمة

 

هذا البحث، قد تناولت فيه المرحلة التي مهّدت لنشأة النحو العربي. هذه المرحلة كثيراً ما يتجاوزها الباحثون و يهملونها لما يحيط بها من غموض و أخبار مضطربة. أما القدماء فقد رووا فيها أخباراً و أقوالاً دون توضيح و تفصيل، و إنهم لم يحدّدوا ما كان فيها كما كان تحديدهم و تفصيلهم في المراحل التي أعقبتها، و إنما جعلوا أبا الأسود الدئلي (ت69ه=688م) أول من وضع النحو في البصرة. و رووا أقوالاً لا تسلم من الإضطرابات و النقد و المبالغة أحياناً. و أما المحدثون فقد أنكر جماعة منهم كثيراً من تلك الأقوال و اعتبروها موضوعة بحجّة أن النحو لم ينشأ في عصر أبي الأسود لأن تلك الفترة لم تكن مهيأة لظهور هذا العلم ، و ذهب المستشرقون خاصة،إلى أن هذا العلم لم يكن نتاج عقلية عربية خالصة و إنما كانت نشأته بآثار أجنبية يونانية أو سريانية و من الباحثين من ذهب إلى أن هناك أثراً للثقافة الهندية أيضاً كما هو موضوع هذا الكتاب.[1]

حاولت في هذه الدراسة أن أنظر إلى صلة هذا العلم و التفكير فيه، بالنّص القرآني ثم بتطور المجتمع العربي بعد الإسلام، فرأيت أن القرن الأول للهجرة الذي كان مرحلة التمهيد لنشأة النحو بمعناه العلمي، كان بعيداً كل البعد عن الآثار الأجنبية، لأن الترجمة لم تكن في هذه الفترة و لم تكن نصوص أجنبية في متناول أيدي الذين ظهرت على ألسنتهم أقوالٌ و مسائل في مضمار اللغة ، و إنما كان تطور  الأنظار اللغوية مرتبطاً بالقرآن الكريم و بالبيئة العربية و بالتطور الفكري و الإجتماعي الذي كان المجتمع الإسلامي يمر به، حتى ظهر النحو بمعناه العلمي في مجموعة قضايا و مسائل في أوائل القرن الثاني للهجرة. أما المرحلة التي سبقته و كانت فيها جهود أبي الأسود و تلامذته و الأنظار اللغوية و الأقوال التي سبقته ، فكانت مرحلة تمهيد لظهور هذا العلم. و كانت نقط الإعراب التي وضعها أبوالأسود الدئلي(ت 69ه) على رأس تلك الجهود المبذولة خلال النصف الأول من القرن الأول للهجرة و قد فتح هذا العمل باب الأنظار اللغوية و النحوية بعد أن كانت أقوالاً في اللحن اللغوي و النحوي و ما يحس به العلماء من خطر على اللغة العربية. كل ذلك في ظني ظواهر من تطور هذه المرحلة الحضارية التي عاشها المجتمع العربي و لغته التي أصبحت عنواناً للوحدة بعد ظهور الإسلام و في ظل النص القرآني.

فإذا وصلنا إلى عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ = 791م) وجدنا أن النحو قد بلغ مرحلة النضج، فكان علم النحو يعتمد على أسس و مسائل نحوية و لغوية وصلت إلى تلميذه سيبويه فدوّنها في كتابه المعروف، فهذا الكتاب الذي يدور جلّ بحث الكتاب الحاضر حوله، ما هو إلا ثمرة طبيعية لهذا العلم و جهود العلماء خلال قرن و نصف قرن من الزمان بعد الهجرة.

فتأسيساً على هذا و نظراً لما يطرحه الدكتور مجتبايي من آراء و أنظار لغوية و نحوية، ارتأيت أن أقسم الدراسة إلى ثلاثة فصول و خاتمة. الفصل الأول عنوانه ((الإرهاصات النحوية)) و ذلك رداً لإستغراب الدكتور مجتبايي من نضوج النحو العربي في فترة قصيرة؛ و الفصل الثاني عنوانه ((نشأة النحو العربي و الآثار الأجنبية)) و فيه نظرة عابرة على علاقة النحو العربي بنحو الأمم الأخرى كالإغريق و الهنود؛ و الفصل الثالث  عنوانه ((ملاحظات)) و ذلك للإجابة على الآراء التي طرحها الدكتور لاسيما في الفصل الثالث من الكتاب و بعض السقطات و الزلّات في الكتاب، و في الختام ((رأى و استنتاج)) و قد أبديت فيه ما توصلت إليه من إستنتاج بعد دراسة الآراء و الأنظار المطروحة.

 

 

1

 

الإرهاصات النحوية

 

قبل نشأة أى علم من العلوم و أى مذهب من المذاهب، فكرية كانت أو أدبية، لابد من أن تكون هناك إرهاصات و دلائل تسبق هذه النشأة و تمهد لها. هذه الإرهاصات تتجلى في التفكير و التأمل حين يكون المجتمع متهيئاً لظهور هذا العلم و هذا المذهب و محتاجاً إليه في مجال المعرفة و الحياة، و كانت حياة العرب بعد ظهور الإسلام قد حدثت فيها ظروف و أحوال في المجالات المختلفة الفكرية و الإجتماعية.

لقد أثار النص القرآني كثيراً من الجدل و الخلاف و مع هذا الجدل و الخلاف، كثيراً من التفكير و التأمل سواءً كان ذلك في مجال الدفاع عنه أو الرد عليه منذ اللحظات الأولى لنزوله، و إعلان الرسول الكريم (ص) دعوته في مكة. و الذين وصفوه بالشاعر و الساحر و غير ذلك في مكة، لا بد أن يكونوا ذوي معرفة ، لكن النصوص القرآنية لم تكن تثير مشكلة من حيث لغتها في مكة، فلم يظهر خلاف في قراءة النص القرآني في البيئة المكية ، لأن بيئة مكة و لغتها كانت متجانسة و لغة القرآن آنذاك.

 

ادامه نوشته

الدكتور محمد خير الحلواني رائد في تجديد النحو العربي ـــ أ.د.شوقي المعري

 

الدكتور محمد خير الحلواني رائد في تجديد النحو العربي ـــ أ.د.شوقي المعري

مقدِّمة...‏

يعد الدكتور محمد خير الحلواني (1933-1986) رائداً من رواد تجديد النحو العربي، وإن لم يذكر بين المجددين، أمثال عبد السلام هارون وعباس حسن، ود. مهدي المخزومي، ود. شوقي ضيف وغيرهم، لكن من يطلع على ما كتبه، وما ضمَّن كتبه من آراء وأحكام يجد أن عنده تجديداً لا يكاد يصل إليه الذين سبقوه، ولا سيما في كتابه "النحو المُيسَّر" الذي ضمَّ معظم أبواب النحو، فقد بثَّه أحكاماً تستند إلى المنطق، والقاعدة، والتحليل الرياضي، فوصل منها كلها إلى الاستنتاج والاستنباط، وكان هذا في منهج تميَّز به من غيره.‏

لقد بدأ التجديد عند الحلواني في عدة أشكال، منها طريقة عرض المادة، وتبويبها، وتشعيبها، وتقسيمها، ومنها الأمثلة التوضيحية التي تفاوتت بين القرآن والشعر الذي يُحْتَجُّ به، والشعر الذي تجاوز عصر الاحتجاج حتى وصل إلى العصر الحديث، بل كانت العبارة القريبة من القارئ، من حياته ومحيطه الشاهد الذي استند إليه كثيراً ليوضح قاعدة، أو يقيم أخرى، أو يشرح ثالثة، ليأتي بحثه سهلاً معروفاً خالياً من التعقيد والإشكال.‏

كما بدأ التجديد في مناقشة أقوال القدماء والمحدثين على السواء، فرفض أحكاماً عدَّها من الشاذ، أو مما تأوّله القدماء، أو مخالفة للقياس، وكانت عنده الجرأة في تقديم قواعد جديدة انفرد بها، قامت على المحاكمة والتحليل، ولم تكن مخالفة للاستدلال الذهني الذي أرسى عليه عدداً من الأحكام، وكذا المعنى الذي كان نصب عينيه دائماً عند شرح القاعدة وتحليلها وإعرابها شواهدها وأمثلتها.‏

وقد يكون تجديد الحلواني متميزاً عن غيره، وأعيد هذا إلى أنه مارس التدريس في مراحله كلّها، ومن يعمل بالتدريس يكتشف أشياء قد تكون خافية على الطالب أو المتعلم، فهو يريد أن يقربها من ذهن الطالب الذي صعبت عليه عبارة القدماء مرة، وآراؤهم مرات عديدة، فكان هدف الحلواني أن يقدم المادة قريبة مختصرة سهلة مشفوعة بالشواهد التوضيحية قائمة على فهم المعنى لأنَّ الإعراب في المعنى، فكان أن اجتهد في كثير من القواعد فأصاب في معظمها، وجانبه الصواب في قليل منها، لأنَّ ثمة قواعد لم يقتنع بها، أو لم ترق له فغيَّرها، ولو رصد الشعر الذي يتصل بكل القواعد لكان عنده وجهة نظر أخرى تخالف وجهة نظره التي أثبتها، وهو الذي رصد في كثير من القواعد شواهدها، ولا سيما من القرآن الكريم، وربما يعود هذا إلى وجود المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لكن الشعر يستحيل عليه وعلى غيره، وهذه القواعد إنما هي قليلة لا تشكل شأناً كبيراً، ولا تقلل من ذاك الجهد الذي بذله، ووجهات النظر التي وصل إليها والتي تفوق فيها، ويكفيه أنه قدَّم النحو ميسراً سهل التناول بلغة قريبة من عقل المتعلم، ويكفيه أنه لم يشأ من التجديد الحذف والاختصار والإخلال وأحياناً الهدم كما فعل الكثيرون!! بل إنَّ ما قدمه د. الحلواني يشكل حلقة من حلقات تجديد النحو، وهي حلقة قوية متينة أَحْكَمَ صُنْعَها، ولا شك في أنَّ ما قدمه يستحق الوقوف عليه والدراسة، ومن ثمَّ الحكم.‏

تقدّم أنَّ نحو الحلواني جمعه في كتابه "النحو الميسَّر" وهو الكتاب الذي جمع فيه جهوده من عدد من الكتب، ولنقل: هو صفوة ما وصل إليه في تلك الكتب بعد أن استقرّت عنده الآراء والأحكام واستوت، وهذه الكتب هي "الواضح في النحو" و "المختار" الذي قال في مقدمته "إنه تتمة لكتاب الواضح في النحو أو جزء ثانٍ له"، و "المنهل" و "المعين" و "المنجد" وهي كتب تعليمية، يُضاف إليها كتابان في الصرف ضمَّ "المغني الجديد في علم الصرف" كتاب "الواضح في الصرف" مضافاً إليه المدخل إلى علم الصرف وجذور الكلمات وأبنيتها، والتعبير عن الجنس (التذكير والتأنيث)... وما يلاحظ أن جهوده في الصرف لم تكن ذات شأن كبير إذا ما قيست بجهوده النحوية، ربما لطبيعة البحث في الصرف، ولكنَّ منهجه فيه كان كمنهجهم في علم النحو من حيث التبويب والتقسيم، واعتماده علوم اللغة الحديثة ولا سيما على الأصوات لكنَّ هذا لم يمنعه من مناقشة القدماء واستقرائه المادة الصرفية موضوع الدراسة.‏

من هنا كان اقتصار البحث على التجديد في النحو. بل اقتصر على ما في كتابه "النحو الميسر" للأسباب التي تقدمت، مع التلميح إلى غيره إذا ما تفرّد به، ولم يضمّه في "النحو الميسر" وهذا قليل جداً. وقد اقتضت طبيعة البحث أن يخلو من الحواشي لأنه قائم على قراءة جوانب التجديد في النحو عند الحلواني، كي لا تكون الإحالات إلى أرقام الصفحات في كتابه، فأثبتت الصفحة من خلال البحث، كما فرضت عليّ قراءة النحو عنده عناوين محددة وصلت إليها، ولكنني لم أعرض لآرائه كما هي أو كما رآها هو، بل ناقشته في بعضها، وخالفته في بعضها الآخر، ورأيت أنه قصَّر في بعضها الثالث، وأقول –بداية- إنَّ معظم ما وصل إليه الحلواني من الجديد الصحيح السليم، لأنه قام على المنطق والمحاكمة العقلية، بأسلوب علمي في عرض الأبحاث من التعريف إلى المقدمة إلى الشاهد إلى التبويب وصولاً إلى النتائج... ووصلت إلى قناعة أنّ الحلواني رائد من رواد تجديد النحو، لأنَّه تميَّز بما وصل إليه، وتفرّد في بعض المسائل ولا سيما التي فيها تأويلات، يُضاف إلى هذا دقة العبارة، ورصد دقيق لكثير من الأحكام مع العناية بالمصطلح وتحديده تحديداً دقيقاً، فكانت كل هذه عناوين للبحث.‏

1-عرض المادة.‏

آ-الطريقة:‏

قدَّم د. الحلواني مادته منظَّمة مبوّبة بعد تعريف يعتمد الفكرة والتعبير واللغة ثم الدخول إلى البحث من خلال الشرح، وكان تأثير علم اللغة الحديث، وعلم الدلالة واضحاً في معظم ما قدَّمه، ثم يبدأ توزيع البحث إلى فصول، وشعب، وجداول، وتشجير، وهذا واضح في الحديث عن النكرة والمعرفة (1/138-149) وحديثه عن (أو) التي تقع في جملة الأمر وجملة الاستفهام وجملة الخبر (2/734-735) وكذا الحال في تقسيم حروف العطف، والمعطوف... وقد عمد في هذا إلى المناقشة العلمية لكلّ ما قدّمه مستنداً في ذلك إلى الأحكام والآراء، وبمنطق علمي دقيق سليم، دفعه أحياناً إلى المقارنة بين بحثين مثل التمييز والحال (2/510)، والتمييز والمضاف إليه (2/512) والتمييز المحول وغير المحول (2/523).‏

وكان في خلال كلامه يعرض لآراء النحويين ولا سيما القدامى وكان يفندها، أو يعلّلها، أو يرفض بعضها، أو يضعّف بعضها، وأحياناً يعرضها بلا تعليق، بل إنه كان يقدّم البحث بلا جديد فيه، وربما يعود هذا إلى طبيعة البحث نفسه الذي لا يجد فيه القارئ أياً كان مادة للمناقشة والتعليق مثل (فعلا التعجب) (1/203) و (أفعال المدح والذم) (1/208)، و(اسم الفعل) (1/213)، ثم كان يعرب بعض الجمل والشواهد التي أثبتها على المسألة، وينهي البحث بعدد آخر من الشواهد للتدريب.‏

ب-الأسلوب الذي كتب به:‏

تفاوت أسلوب الحلواني في التعبير عن البحث موضوع الدراسة بين السهولة الكبيرة، وبين الصعوبة التي تمثلت بمناقشة العلماء القدماء بلغتهم، فمن حالات السهولة جداً حديث عن سبب قولنا الحركة المقدرة على الياء للثقل، وعلى الألف للتعذر (1/30) وكذا حديثه عن حركة جمع المذكر السالم الذي تجاوز الصفحة قليلاً (1/36/37) والذي يمكن اختصاره بسطرين اثنين، ومثله الممنوع من الصرف (1/38) والأفعال الخمسة (1/65) فبعد أن كان يعرض لوجوه الخلاف بين النحويين بلغة سهلة جداً، استشهد بقراءة قرآنية ومثل هذا أنه كان يعرض لوجوه الخلاف بين النحويين بلغة تفوق المستوى الذي قدم به البحث كاملاً كالحديث عن الضميرين (أنا) و (نحن) (1/81) وصاحب الحال، والعامل فيها، فأنت تشعر أنك أمام كتاب مختص جداً من القرن الرابع الهجري (2/491-498).‏

ولا شك أن لغته كانت متميزة أو خاصة به استطاع أن ينفذ فيها إلى ما يريد، ونستشهد بعدد من الأمثلة على هذا، يقول عن وظيفة الإعراب: "وللإعراب في اللغة العربية وظيفة مهمة، فهو من القرائن اللفظية، والتركيبية التي تفرق بين المعاني النحوية، والمعاني الأسلوبية أيضاً"(1/24) بعد ذلك يستشهد بعدد من الشواهد والأمثلة والجمل في ضبط الكلمة الواحدة للتدليل على أن ضبط الحرف الواحد يفرق المعنى في تركيب الجملة كقوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء(، وقولك: ما أجمل (بالفتح) وما أجمل (بالضم).‏

ويقول في الضمير: "للضمير في لغة العرب أهمية كبيرة، فهو كثير الاستعمال لأنه يؤمن للغة عنصر الاقتصاد الذي تسعى إليه"(1/70) ونقل عن بعض النحاة أنهم جوزوا عطف المتضايفين في الشيئين يصطحبان كاليد والرجل في قول بعضهم "قطع الله يد ورجل من قالها". ويتابع فيقول: "ويقال قياساً على هذا جئت قبل أو بعد العصر"(1/646).‏

من هذا أيضاً ما ذكره في تقديم (ما) خبراً على المبتدأ (1/245) يضيف فيقول: "فالتقديم والتأخير في الجملة العربية إذن وسيلة تعبيرية لأنهما يكونان واجباً لا اختياراً يقتضيهما التركيب في العبارة العربية.." (1/256).‏

ومن هذا كلامه على النداء عندما سأل ما الذي يُنادى؟ يجيب فيقول: "إن طرفي النداء يجب أن يكونا كائنين بشريين واعيين ولا بد من حضور الطرفين في مكان واحد بحيث يسمعه كلّ منهما الآخر، ولكن هذا الأصل العام قد يدخله بعض التغيير فقد ينادي الإنسان من ليس معه في مكان واحد كما يحصل في كتابة الرسائل وفي الشعر والأدب عامة، كما قد ينادى من لا يبادله الوعي والاستجابة كالبحر، والنهر، والسحاب، والأرض، والطلل، وغير ذلك من عناصر الطبيعة، كما قد ينادى الميت المندوب متفجعاً عليه، وهذا كله يدخل في باب المجاز" (3/538).‏

لقد عمدت إلى إثبات النص الأخير كما هو ليتضح للقارئ لغة الحلواني في عرض المادة، وهذا ما كان في معظم ما كتبه، فتجاوز هذه اللغة إلى لغة جديدة في النحو، فيسمّي نون المثنى وجمع المذكر السالم ما يشبه التنوين (2/642) وعلق (كما) بصفة مصدر منتزع من الفعل (المختار 183 و 277) وعطف بالفاء السببية المفردات حين يكون المعطوف جملة أو اسماً مشتقاً استعمل استعماله فقط (2/729).‏

وقادته هذه اللغة إلى الدقة في الكلمة أو الجملة أو العبارة أو الحكم، فلما تكلم على (ذو) من الأسماء الستة قال: "ولا يجوز أن يضاف مثلاً إلى صفة صرفية، فلا يُقال إنَّه ذو صالح، أو ذو عالم وكذلك لا تجوز إضافته إلى الضمير"(1/57) قال هذا كي لا يبقى في ذهن الطالب أنَّ الأسماء الستة يجب أن تضاف إلى غير ياء المتكلم فحدّد بدقة المواضع التي لا يجوز فيها إضافتها.‏

ورأى "أن الأسماء تبنى بناءً أصيلاً ما عدا الاسم الموصول واسم الإشارة في حال التثنية..." (1/68). ورأى أن أفعال الرجاء تخالف (كان) التي تحدد زمن الجملة الاسمية بالماضي، لأنها تحدده بالمستقبل على الرغم من أننا نعربها أفعالاً ماضية" (1/297) ونبّه الطالب كي لا يقع في إعراب خطأ مثل إعراب سلاماً في قولك "سلمت سلاماً"، فسلاماً ليس مفعولاً مطلقاً لأنَّ مصدر سلمت (تسليم) (2/439) وميّز له (واو) المعية عن (مع) وقال (يجوز أن تحذف الواو ويتم المعنى أما مع فلا" (2/448-449) ومثله التمييز بين التمييز المحول الذي لا يقبل (من) البيانية وغير المحول الذي يقبلها(2/523) وكذا في حديثه عن الأفعال الناقصة التي شبَّهها بالأدوات (1/270) وعدم دخولها على الجملة الاسمية التي مبتدؤها من أسماء الصدارة (1/285).‏

ومن هذا الباب أيضاً كلامه على (عسى) والمصدر المؤول بعدها (1/302) وكلامه على أداة النداء التي تنْزل منْزلة الآخر إذا كانت للبعيد أو القريب (2/535) وكلامه على اسم الفاعل الذي يعمل عمل فعله لكنه لا يبلغ مرتبة الفعل لأنه فرع عليه، ولا بدّ من شروط يستوفيها حتى يكون قادراً على العمل (1/223) اقرأ ما قاله عن وصف الصفة (2/681) وتعليله لمجيء الحال الجامدة المؤولة بمشتق (2/478) وإعراب الواو والفاء اعتراضيتين مع أنك لا تجد هذا في كتب الأقدمين ولكن تجده في الكتب الإعرابية (المختار 120-121) وحديثه عن الفعل (شعر) بمعنى علم الذي اتخذ في بناء الجملة العربية سمتاً خاصاً إذ جمد على صورة من صور التمني، وجاءت الجملة المفعولية بعده بصيغة الاستفهام (ليت شعري هل أبيتنَّ) (المختار 90-91) و (النحو الميسر 1/309).‏

ومن هذا دقته في العبارة التي عرّف بها الاستثناء التام، قال ""فإذا ذكر المستثنى منه تمت أركان الأسلوب الاستثنائي (2/457). قد استعمل اللغة الاقتصادية التي سماها في غير مكان من كتابه، فلم يقل كما قالت معظم المصادر والمراجع اكتفى بوجود المستثنى منه ليكون هناك استثناء.‏

ومن هذا ما قاله في نداء المنقوص والمقصور إذ تثبت الياء والألف والسبب زوال التنوين لأنهما يحذفان في غير النداء (2/550).‏

وفي النداء أجاز ترخيم الاسم العلم الثلاثي إذا كان آخره تاء مربوطة، مثل هِبة، وصِلة، ورُلة (2/564-565). أما غيره فلا يجوز، قال: يحذف حرفان إذا كان خماسياً وما قبل آخره ألف مدّ، نحو: مروان، عثمان، عفراء، رغداء (2/565-566) أما إذا كان أقل من خمسة فيحذف الأخير نحو (يازيا) في (يا زياد).‏

ومن هذا إعراب الأفعال الناقصة التي تبدأ بـ (ما) ما عدا (ما دام) فهي مؤلفة من ما النافية والفعل الناقص، والدليل –عنده- لا الناهية مع المضارع منها (1/281) وفي هذا توجيه للطالب لمعرفة الإعراب الدقيق، لأن كثيرين لما يزالوا يعربون (ما زال) كلمة واحدة، وهذا غير صحيح، وهذا يجرّهم إلى إعراب (ما دام) أيضاً كلمة واحدة، وهي (ما) المصدرية و (دام)، وفيها مصدر مؤول وهذا واحد من أسباب التجديد، أقصد التيسير والتوضيح.‏

ومثل ما ذكره في أدوات الشرط الجازمة وغير الجازمة وإعراب الجملة جراً بالإضافة بعدها (المختار 93) وتشبيه المصدر المؤول بشبه الجملة لأنَّ أثر العامل فيه مخفي (1/33) ونبَّه إلى ضرورة تعليق شبه الجملة "والمهم في الأمر هو اعتماد المعنى في تحديد العامل في الجار والمجرور" (2/602).‏

واقرأ ما قاله في رسم (إذن) إملائياً ترَ دقة العبارة التي تناول فيها إعرابها، وإملاءها (المختار 379).‏

وما يلاحظ في هذا الجانب أنَّ الحلواني عمد إلى التبسيط والتسهيل بكل الوسائل ومنها اللغة التي خاطب بها القارئ، حتى إنه كتب بلغة تناسب الطفل الصغير في وقت ارتفعت اللغة وسَمَتْ حتى خاطبت المختصين، وفي هذا تفاوت كان يفترض ألا يكون.‏

فلّما ذكر علامات الأفعال استشهد بأفعال مجردة "علمتُ، وكتبتَ وقرأتِ" (1/15) وأضاف أنَّ هناك أفعالاً لا تقبل التاء مع أنها أفعال ماضية كأفعال الاستثناء، وحبّ في المدح والذم (1/15) ومثله في عدم تنوين المعرف بـ (ال) مثل الرجلان، والمطاران والعاملون أو الباغون... (1/59) وهذا واضح جداً، وكذا ما ذكره في ضمير الرفع المنفصل (1/85-86) ولم ينسَ أن يشير إلى أنَّ ياء (في) وألف (على) تحذفان لفظاً إذا وليهما ساكن (2/623).‏

وأنهي هذا الجانب بموقفيْن اثنين يختصران ما تقدم ويزيدان إضافات جديدة تميز أسلوب الحلواني وعباراته الدقيقة.‏

الأول: ففي كلامه على المبتدأ والخبر يقول: "وعلى الرغم من أن المبتدأ والخبر اثنان نرى الفائدة المعنوية منهما لا تتم إلا بعد إدراك ثلاث دلالات:‏

1-دلالة المبتدأ: وهي دلالة الكلمة على المعنى المنوط بها، وهي دلالة عرفية معجمية.‏

2-دلالة الخبر: دلالة عرفية تُعرف من البيئة أو من المعجم.‏

3-العلاقة بينهما: هي دلالة نحوية تركيبية ولولا هي لاسْتَقلَّ المبتدأ عن الخبر، ولانقطعت صلة بعضهما ببعض.‏

والثاني: عن الظرف في آية وحديث يقول: "فأنت ترى أن (يوم) في الموضعين جاء بعد حرف جر، ولكنه استجاب لعامل الجرّ في الآية ولم يستجب له في الحديث فجاء معرباً مجروراً في الآية ومبنياً على الفتح في الحديث، والكلمات التي من هذا النوع كثيرة في اللغة العربية، ولا شك أنها لا تبنى في موضع ولا تعرب في موضع آخر اعتباطاً بل هناك نظام دقيق جداً يعتمد على المعنى حيناً، وعلى علاقات لفظية في التركيب حيناً آخر (1/126-127).‏

أصالةُ اللِّسان العَربيّ ـــ د. جَعفر دك الباب

أصالةُ اللِّسان العَربيّ ـــ د. جَعفر دك الباب



في المقالة الأولى(1) من دراساتي اللسانية بحثت في إعجاز القرآن وترجمته، انطلاقاً من نظرية الإمام الجرجاني اللغوية التي اشتمل عليها كتابه "لدلائل الإعجاز في علم المعاني". وقررت في ختامها أن الترجمة الجيدة للقرآن يجب أن تكون للمعاني وأن تعتمد على فهم الخصائص البنيوية للغة التي تتم الترجمة منها واللغة التي يترجم إليها.‏

وأشرت في المقالة الثانية(2) إلى أني أنطلق في دراسة البنية اللغوية للعربية من نظرية الإمام الجرجاني التي تميز مستويين في بنية الجملة: مستوى البنية النحوية (الساكنة) ومستوى البنية الإخبارية (المتغيرة). وعرضت بإيجاز المنهج البنيوي الوظيفي للإمام الجرجاني في الدراسة النحوية، كما لخصت نظرته الوظيفية في الإعراب. وكشفت في تلك المقالة تميز مفهوم (الكلمة) في علم اللغة العربية وعلم اللغة الأوربي. وحددت خصائص بنية الفعل والاسم في اللسان العربي، ثم بحثت في ضوئها أنماط التراكيب العربية وفي ختام المقالة وعدت أن أقوم في مقالة تالية بعرض نظرة جديدة في النحو العربي تبين كيف ترتبط البنية النحوية للجملة ببنيتها الإخبارية.‏

ولكني عدت في المقالة الثالثة(3) من السلسلة إلى البحث مجدَّداً في إعجاز القرآن البلاغي وتحديد مزايا اللغة التي أنزل القرآن بها. فتحدثت عن اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية الذي بلوره ابن جني في (الخصائص) والإمام الجرجاني في (دلائل الإعجاز في علم المعاني) في نظريتين متتامتين. وأشرت إلى المنهج التاريخي العلمي في الدراسة اللغوية الذي يمكن استنباطه من التنام بين نظريتي ابن جني والجرجاني. ولدى دراسة لغة القرآن الكريم باستخدام المنهج التاريخي العلمي لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية، بينت بالدليل العلمي والفقهي أن (القرآن الكريم أنزل بلسان عربي مبين). وفندت خطاً القول أن "القرآن الكريم أُنزل بلسان قريش". وعرضت نظرة جديدة في تاريخ اللسان العربي كشفت عن ثلاثة أطوار مرَّ بها اللسان العربي في مسار تطوره التاريخي (القديم والأوسط والحديث) تتميز بوجود اختلافات في نمط البنية الصرفية والنحوية.‏

ولدى البحث في مزايا اللسان العربي المبين الذي أنزل القرآن به، بينت أن سبب تسمية لغة القرآن الكريم (اللسان العربي المبين) يرجع إلى أن لغة القرآن ليست في الواقع لغة (لهجة) عربية واحدة، بل هي عبارة عن مجموعة من اللغات (اللهجات) العربية التي تستخدم أداة التعريف (ال) في بداية الاسم. وبما أن هذه المجموعة من اللغات العربية تمثل طوراً حديثاً من اللسان العربي أعلى من الطورين السابقين (الأوسط والقديم) من حيث الفصاحة والإبانة، فقد سميت الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن (اللسان العربي المبين). وبهذا المعنى يصح وصف القرآن بأنه (عربي) لأنه أنزل باللسان العربي المبين الذي صار اللسان العربي الواحد المشترك لجميع العرب، وصار يطلق عليه فيما بعد تسمية (اللغة العربية الفصحى).‏

وفي ضوء النظرة الجديدة في تاريخ اللسان العربي، سأعمد في هذه المقالة – الرابعة – إلى البحث في أصالة اللسان العربي وارتباط نشأته ببداية تشكل الكلام الإنساني.‏

إني أرى أن العرب بأمس الحاجة اليوم إلى الاستفادة من معطيات اللسانيات الحديثة، ليتمكنوا في ضوئها من فهم خصائص بنية العربية بشكل صحيح، وليفهموا بالتالي تراثهم اللساني بشكل علمي. لذا دعوت إلى إعادة قراءة الأبحاث اللسانية العربية في ضوء اللسانيات الحديثة، من أجل تحديد المسار التاريخي لتطور الآراء اللسانية العربية. ولدى القيام بذلك استطعت الكشف عن ثلاث مراحل مرت بها دراسة اللسان العربي (الوصفية التحليلية الشاملة، النحوية المتخصصة، الوظيفية)، وتمكنت من تحديد الملامح العامة لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية التي بلورها ابن جني في (الخصائص) والإمام الجرجاني في (دلائل الإعجاز في علم المعاني) في نظريتين متتامتين، كما بلورت مبادئ المنهج التاريخي العلمي والمنهج الوصفي الوظيفي في الدراسات اللسانية. وبذا تظهر الفائدة التي تجنيها اللسانيات العربية من اللسانيات الحديثة. ونرى بالمقابل أن الدراسات اللسانية العربية المنطلقة من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية يمكنها أن تسهم بدورها في تطوير النظريات اللسانية الحديثة في المجالين التاليين:‏

1-ربط دراسة اللغة بوظيفة الاتصال، وبالتالي ربط دراسة بنية الجملة بوظيفتها التي يحددها الموقف الكلامي باستخدام المنهج الوصفي الوظيفي الذي اعتمدته نظرية الإمام الجرجاني اللغوية.‏

2-تقديم التفسيرات العملية لجميع الظواهر اللغوية باستخدام المنهج التاريخي العلمي لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية لدى دراسة النظام اللغوي.‏

لذا فإن الأُسس اللسانية التي نستند إليها في دراسة بنية اللسان العربي تأخذ بآخر ما وصلت إليه الدراسات اللسانية الحديثة (نظرية القواعد التحويلية التوليدية ونظرية التقسيم الوظيفي للجملة) وتنبع في الوقت نفسه من تراثنا اللساني العربيّ (وبالتحديد من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية)(4).‏

ذكرنا أعلاه أن نظرتنا الجديدة في تاريخ اللسان العربي (التي اعتمدت المنهج التاريخي العلمي لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية) قد كشفت عن ثلاثة أطوار مرّ بها اللسان العربيّ في مسار تطوره التاريخي (القديم والأوسط والحديث). ويعني ذلك أن اللسان العربي موغل في القدم. وإذا أخذنا بالحسبان أن اللسان العربي لا يزال حياً حتى يوم الناس هذا، تظهر لنا أصالة اللسان العربي. وحين نصف لساناً ما بالأصالة نقصد أنه يتوافر فيه عنصران هما: الإيغال في القدم من ناحية، والاستمرار في الحياة من ناحية أخرى. وعليه فإن بنية اللسان الأصيل بهذا المعنى يجب أن تتمتع بجملة خصائص من حيث المفردات والأصوات والصرف والنحو تشير إلى إيغاله في القدم. وأول قرينة على إيغال لسان ما في القدم هي وجود شبه بين ألفاظه وأصوات الحيوان والطبيعة، لأن هذا الشبه يدل على محاكاة الإنسان البدائي لأصوات الحيوان والطبيعة، ويؤكد بالتالي بدائية نشأة ذلك اللسان.‏

تكشف دراسة مفردات المعجم العربي عن وجود شبه واضح بين كثير من ألفاظ اللسان العربي وبين أصوات الحيوان والطبيعة، مما يشير إلى بدائية نشأة اللسان العربي. وأرى أن خصائص بنية الفعل والاسم في اللسان العربي (التي عرضتها في المقالة الثانية من السلسلة) تعكس خصائص البنية الصوتية للسان العربي التي تشير إلى بدائية نشأة اللسان العربي. لذا فإن القول بأصالة اللسان العربي لا يحيلنا فقط إلى البحث في نشأة اللسان العربي نفسه، بل يحيلنا بالضرورة أيضاً إلى البحث في نشأة الألسن وبداية تشكل الكلام الإنساني. وأول ما يعترضنا هنا السؤال التالي: هل تدخل مسألة (نشأة الألسن وبداية تشكل الكلام الإنساني) من حيث المبدأ في الموضوعات التي يدرسها علم اللسان؟‏

أولاً: هل تبحث اللسانيات في نشأة الألسن؟‏

اتسمت الأبحاث اللسانية الأوروبية في القرن الثامن عشر بالتهافت على النظريات العقلانية التي تبحث في أصول اللغات. لذا اختصتها الموسوعة الفرنسية مثلاً بثلث مادة (لغة). وظهرت في أواخر القرن التاسع عشر مدرسة (المحدثين من علماء القواعد) التي قالت بالحتمية المطلقة للقوانين الصوتية. اعتبرت هذه المدرسة أن غاية البحوث اللسانية الأساسية هي الوصول إلى كشف القوانين التي تخضع لها الظواهر اللغوية، ودعت إلى تخليص اللسانيات من جميع المسائل الفلسفية التي لا يتفق منهج البحث فيها مع مناهج البحث في العلوم. وكان من آثار ذلك الاتجاه أن انصرف اللسانيون عن البحث في موضوع نشأة الألسن وتركوا دراسته للمختصين بالفلسفة.‏

ثم عادت المدرسة اللسانية السوفييتية التي تنطلق من الفلسفة الماركسية – اللينينية – إلى البحث النظري العام في نشأة الألسن، بعد أن فصلته عن مسألة تشكل اللغات الطبيعية (الموجودة إلى الآن أو التي ثبت بالشواهد أنها كانت موجودة). فترى المدرسة اللسانية السوفييتية أن علم اللسان يدرس تاريخ تشكل اللغات الطبيعية انطلاقاً من الحقائق الفعلية لوجودها (أصواتها وقواعد صرفها ونحوها، والشواهد الكتابية)، في حين يدرس مسألة (نشأة الألسن وبداية تشكل الكلام الإنساني) في نطاق الفرضيات العامة والنظريات.‏

وتقضي تقاليد علوم اللغة العربية بإدخال مسألة (نشأة اللغات) في الدراسات اللسانية(5). هذا وننطلق في دراسة مسألة (نشأة الألسن) من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية.‏

يرى بعض الباحثين العرب أن ابن جني يفتقر إلى رؤية لغوية موحدة. يكتب مثلاً الدكتور محمد خير الحلواني ما يلي: "وقد جمع ابن جني في تراثه منحى أهل اللغة ومنهج أهل النظر. فهو لغوي فذ كما أنه معتزلي كبير، إلا أنه لم يخرج عن سنن اللغويين في تحليله للظواهر ولم يلحق بأهل النظر في تفسيرهم لنشأة اللغة. وربما كان امتزاج هذين الموروثين في نفسه سبباً في اضطراب رؤيته اللغوية العامة. وأول ما يلقانا في عرضه للنظريات الثلاث السابقة (التوقيفية، الاصطلاحية أو التواطئية، المحاكاة) تردده في الإيمان بواحدة منها، وتأرجحه بينها.. إنه لا يعرض في البدء غير نظريتين: الإلهية والتواطئية.. ونخلص من هذا كله إلى أن رؤية ابن جني اللغوية ليست سوية ولا مطردة، بل ليست موحدة. وعلة ذلك عندي شيئان: أولهما أن البحث في أصل اللغة سيقود حتماً إلى مثل هذه الرؤى المضطربة وثانيهما أن الموروث اللغوي والفلسفي قد غمس ابن جني في تياره، فما استطاع أن ينجو منه ولا استطاع أن يحوّل مجراه"(6).‏

إننا نرى أن ابن جني قد انطلق في كتابه (الخصائص) من منطلق بنيوي حين بحث في نطاق الكلمة المفردة. وأوصله ذلك المنطلق إلى ضرورة أخذ عامل الزمن بعين الاعتبار – ولو لم يصرح بذلك دائماً – لأن الاشتقاق يرتبط حتماً بالزمن. ولدى البحث في التقليبات الممكنة للكلمة الواحدة اكتشف أن الشيء الذي يجمع تلك التقليبات هو وحدة المعنى. ولدى البحث في النظريات المتعلقة بنشأة اللغات، ذكر ابن جني نظرية التوقيف وناقشها، كما ذكر نظرية الاصطلاح وناقشها. ولكنه لم يجزم في الأخذ بواحدة منهما، بل جوّزهما معاً. ويرجع ذلك – برأيي – إلى أن اهتمام ابن جني كان منصباً على اكتشاف القوانين التي تنظم اللغة وتوضح أسباب الأخذ ببعض التقليبات وترك بعضها الآخر، فيقول مثلاً: "أما إهمال ما أُهمل مما تحتمله قسمة التركيب في بعض الأصول المتصورة أو المستعملة، فأكثره متروك للاستثقال وبقيته ملحقة به ومقفاة على أثره"(7).‏

وبما أن الجزم في الأخذ بإحدى النظريتين (التواضع أو الإلهام) لا يغير من حقيقة القوانين اللغوية واتساقها، فقد جوّزهما ابن جني على حد سواء. ولكنه أكدّ بشكل قاطع على أمرين:‏

1-لم تنشأ اللغة في وقت واحد، بل نشأت في أوقات متلاحقة.‏

2-كانت اللغة باستمرار تحافظ على اتساق قوانينها.‏

فقال في باب (في هذه اللغة: أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منها بفارط؟) ما يلي: "قد تقدم في أول الكتاب القول على اللغة: أتواضع هي أم إلهام؟ وحكينا وجوّزنا الأمرين جميعاً. وكيف تصرف الحال وعلى أي الأمرين كان ابتداؤها فإنها لا بدّ أن يكون وقع في أول الأمر بعضها، ثم احتيج فيما بعد إلى الزيادة عليه لحضور الداعي إليه، فزيد فيها شيئاً فشيئاً، إلا أنه على قياس ما كان سبق منها في حروفه وتأليفه وإعرابه المبين عن معانيه.."(8).‏

وهكذا نرى أن ابن جني استطاع بمنهجه اللساني العلمي أن يكتشف من ناحية عامل الزمن الذي تجلى في أن نشأة اللغة لم تتم في وقت واحد، بل بدأت ثم اكتملت في أوقات متلاحقة. كما استطاع أن يكتشف من ناحية أخرى اتساق النظام اللغوي. وقد حاول ابن جني أن يوحد هذين الجانبين (التطوري والتزامني) في إطار واحد، بفرض أن واضع اللغة، عرف سلفاً ما يتعارض مع النظام العام للغة فاستبعده وعرف ما ينسجم مع ذلك النظام فأبقاه، فقال: "اعلم أن واضع اللغة لما أراد صوغها وترتيب أحوالها، هجم بفكره على جميعها، ورأى بعين تصوره وجوه جملها وتفاصيلها، وعلم أنه لا بدّ من رفض ما شنع تألفه منها"(9).‏

وبسبب عدم ترجيح ابن جني لإحدى النظريتين في نشأة اللغة (التوقيف أو الاصطلاح، اضطر إلى ذكر نظرية تقليد أصوات الحيوان والطبيعة التي قال بها الرواقيون علماء مدرسة الإسكندرية. وذلك لأن تلك النظرية يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار من ناحية عامل الزمن الذي يتجلى في أن تقليد جميع الأصوات لم يتم طفرة واحدة. وتأخذ بالاعتبار من ناحية أخرى الجانب المادي (الصوتي) للغة الذي يمكن أن يخضع للتحليل والدراسة. وعلق ابن جني على نظرية المحاكاة بقوله: "وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"(10).‏

وهكذا نرى أن رؤية ابن جني اللغوية فذة وموحدة (غير مضطربة) لأنها علمية تنطلق من منطلق صوتي (مادي) وفهم منظومي للغة. وهذا هو السبب في أن ابن جني قد تبوأ في الماضي ذروة الدرس اللغوي. ويجب أن يتبوأ في الحاضر المكانة التي يستحقها في علم اللسان الحديث، إذا استطعنا أن نكشف عن قيمة دراساته اللغوية الرائدة في ضوء منجزات اللسانيات الحديثة.‏

أما الإمام عبد القاهر الجرجاني فقد انطلق في (دلائل الإعجاز في علم المعاني) من منطلق بنيوي وظيفي، لأن بحثه لم يتحدد في نطاق الكلمة المفردة بل شمل نظم الكلم. لذا عمد الجرجاني إلى بيان ارتباط خصائص بنية الكلمة المفردة بالوظيفة التي تؤديها في الكلام، انطلاقاً من الوظيفة الأساسية للغة باعتبارها وسيلة لاتصال الناس بعضهم ببعض(11).‏

لقد انصبّ اهتمام الجرجاني – مثل ابن جني – على اكتشاف القوانين اللغوية. وأشار إلى ارتباط اللغة بالتفكير، وبيَّن دور التفكير في نشوء اللغة. وبما أن القول بأن اللغة تواضع أو الهام لا يغير من حقيقة القوانين اللغوية، فقد جوّز الجرجاني – كما فعل ابن جني – القولين. وحين تطرق الجرجاني إلى بحث (سبب وضع مفردات اللغة وحكمته)، ذكر الأصل التالي: "إن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد، وهذا علم شريف وأصل عظيم"(12).‏

وباعتماد هذا الأصل ناقش الجرجاني سبب وضع مفردات اللغة على فرض القول بأن اللغة مواضعة ثم على فرض أنها إلهام، فبيَّن ارتباط الكلمة المفردة في نشأتها بالكلام أي بالجملة. ويعني ذلك أن الكلمة المفردة كانت بالضرورة في نشأتها تفيد مع السياق الذي وضعت فيه معنى جملة (كلام). وعليه فإن مهمة الكلمات المفردة لم تقتصر منذ نشأتها على وظيفة (التسمية) فقط بل كانت مهمتها أيضاً القيام بوظيفة الإخبار (الاتِصال).‏

ويعني ذلك أن اللغة عند الجرجاني نظام لربط الكلمات بعضها ببعض. ولدى السعي لاكتشاف هذا النظام، لم يكن الجرجاني بحاجة إلى أخذ عامل الزمن بالاعتبار، فأكتفي بالوصف التزامني للنظام اللغوي. وأدى ذلك بالجرجاني إلى القول باعتباطية العلامة اللغوية، فقال: "إن نظم الحروف هو تواليها في النطق فقط، وليس نظمها بمقتضى عن معنى ولا الناظم لها يحقق في ذلك رسماً من العقل اقتضى أن يتحرى في نظمه لها ما تحراه. فلو أن واضع اللغة كان قد قال (ربض) مكان (ضرب) لما كان في ذلك ما يؤدي إلى فساد"(13).‏

وهكذا نرى أن نظريتي ابن جني والجرجاني متتامتان، بل يصح القول إنهما تؤلفان جانبين لنظرية لغوية واحدة تعبِّر عن اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية. ويظهر التئام بين نظريتي ابن جني والجرجاني في ضرورة ربط الدراسة التزامنية للغة (التي تقدمها نظرية الجرجاني) بالدراسة التطورية للغة (التي تقدمها نظرية ابن جني). لقد أكدت نظرية ابن جني أن اللغة لم تنشأ دفعة واحدة، في حين أكدت نظرية الجرجاني ارتباط نشأة اللغة بالتفكير ووظيفة الاتصال. ويظهر التتام بين النظريتين في تقرير أن اللغة قد نشأت وتطور نظامها واكتمل تدريجياً بشكل مواز لنشأة التفكير الإنساني وتطور نظامه واكتماله.‏

ذكرنا أعلاه أننا ننطلق في دراسة مسألة (نشأة الألسن) من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوي. لذا نرى أنه ليس مهماً (أي لا يدخل في مهمة علم اللسان) الفصل في القول بأن اللغة تواضع أو إلهام، لأن تبني إحدى النظريتين لا يغير من حقيقة القوانين اللغوية واتساقها. وبالمقابل يعتبر مهماً (أي يدخل في مهمة علم اللسان) اكتشاف القوانين التي تنظم اللغة وبيان أُسس التطور اللغوي.‏

ويعني ذلك أن مسألة (نشأة الألسن وبداية تشكل الكلام الإنساني) تدخل من حيث المبدأ في الموضوعات التي يدرسها علم اللسان، شريطة ألا تستهدف الفصل في القول بالإلهام أو التواضع، بل تستهدف اكتشاف القوانين التي تنظم اللغة. ويعني ذلك أن البحث في مسألة نشأة الألسن يحيل بالضرورة إلى البحث في الجانب المادي (الصوتي) للغة.‏

ثنياً: بدائية نشأة اللسان العربي.‏

أوجد الأستاذ عبد الحق فاضل في كتابه، مغامرات لغوية (مَلِكة اللغات)(14) فرعاً جديداً في علم اللسان سمّاه (الترسيس). ويميز الأستاذ فاضل دراسة أصول الكلمات أو التأثيل Etymology عن الترسيس. فالترسيس هو إعادة اللفظة إلى جدتها الأولى في صورتها التي نطق بها الإنسان الأول (البدائي) تقليداً لأحد الأصوات المسموعة مثل محاكاة أصوات الطبيعة أو الحيوانات، مع تعقب المراحل التطورية التي قطعتها تلك اللفظية حتى وصلت إلى الصورة التي نعرفها في إحدى اللغات. أما التأثيل (أي دراسة أصول الكلمات) فهو رد الكلمة إلى أمها المباشرة أو إلى جدتها المباشرة أو القريبة.‏

وكان الأستاذ فاضل قد ذكر أمثلة عن الترسيس في مقالة بعنوان: "آثار حيوانية في اللغة العربية"(15).‏

يرى الأستاذ فاضل "أن اللغة العربية ما زالت تحتفظ بالألفاظ البدائية – الرسية – الأولى إلى جانب الألفاظ الراقية الحضارية المتفرعة منها. فهي لذلك تمكننا من إقامة علم (نشأة اللغة) على أركان وطيدة بالطريقة الترسيسية. وهي وحدها تمدنا بمادة (علم الترسيس)، بينما جميع بناتها الساميات والحاميات والآريات وغيرها من لغات بني آدم لا تكفي إلا للتأثيل"(16).‏

كما يرى الأستاذ فاضل أنه "لما كان الترسيس هو الأساس الذي سيقوم عليه علم (نشأة اللغة) وما يتصل به من علوم اللغة، وبما أن الترسيس سيهدم كذلك بعض النظريات اللغوية السائدة ويجلو بعض الغوامض ويملأ بعض الثغرات في (فقه اللغة) البشري، فإن اللغة العربية وتطوراتها وتفرعاتها وهجراتها ستكون الأساس المكين لعلم (فقه اللغة) العالمي العام الذي سيعاد النظر فيه بجملته ومختلف فروعه ويعاد تخطيطه وتشييد صرحه على تصميم جديد من قوانين اللغة العربية وإيحاءاتها. وسيتضح كم سيرتقي (علم اللغة) ويصحح الكثير من أخطائه ويقضي على الكثير من تلكئه هنا وتردده هناك، وبأي سرعة، حالما يأخذون بسلوك الطريق الاستقرائي العلمي الصحيح في دراسته ابتداءً من اللغة العربية"(17).‏

وكتب الأستاذ عبد الحق فاضل مقالة بعنوان: "حول (المغامرات اللغوية(18)" جاء فيها: "المعروف أن اللغات البدائية هي التي يقرب الشبه بين ألفاظها والأصوات الطبيعية التي نشأت منها. أما اللغات الراقية فقد ذهبت أصواتها وبقيت الكلمات الحضارية الراقية التي تولدت منها، لا سيما وأن الأمم المتحضرة قد تنقلت منذ أقدم العصور من مكان إلى مكان واختلطت لغاتها بغيرها. ولكن العربية وحدها تقدم لنا أرقى الكلمات الحضارية والثقافية مع الحلقات المتسلسلة التي تقودنا إلى البدايات الأولى. وسبب ذلك هو الظروف الفريدة التي تلابس الجزيرة العربية، فقد بقي وسطها الرملي المجدب محافظاً على حياة البداوة والبدائية على حين راحت أطرافها المتحضرة تصنع من تلك الخامة اللغوية مفردات حضارية باذخة، وإذ بهذه العربية تغدو لغة الراعي والفيلسوف في وقت واحد".‏

وأشار الأستاذ فاضل في تلك المقالة إلى أن العلماء قرروا أن اللغة البشرية تكونت من أصول خمسة بوجه العموم، نجدها كلها صريحة واضحة في العربية، على حين أن أية لغة حية أخرى لا توجد فيها إلا بعض هذه الأصول إن وجدت. والواقع أنهم إنما توصلوا إلى هذه الأصول الخمسة من استقراء عدد غير قليل من اللغات البدائية التي لا تزال تحتفظ بجذورها الصوتية لعدم ارتقائها وابتعادها عن صورة ولادتها. وهذه الأصول الخمسة هي:‏

1-محاكاة أصوات الطبيعة: وكمثل تذكر صوت الماء (شلشل) ومنه ترشرش الماء، ثم رش ورشاش، ثم رذ ورذاذ، ثم ذر وذرى ومذارة وذرة..‏

2-تقليد أصوات الحيوانات: وتذكر من الأسماء التي سميت بأصواتها: البلبل واللقلق والجدجد والصرصر.‏

3-تقليد الأصوات المصطنعة: أي الأصوات التي يحدثها الإنسان في بعض أعماله. مثل صوت القطع (قط) و(صج) و(طق).‏

4-تقليد الإنسان لنفسه في الأصوات الطبيعية التي تصدر عنه تلقائياً في مختلف حالاته. مثل (قهقه) و(قاء) و(أنّ) و(عطس).‏

5-تقليد أصوات الطفل: (لغ لغ) و(بابا) و(تاتا) و(دادا).‏

إننا نرى أن الأستاذ عبد الحق فاضل بنى نظريته القائلة بأن اللغة العربية (مَلِكة اللغات) بعد دراسة صوتية مقارنة للفظ كلمات مفردة في عديد من اللغات بالطريقة الترسيسية. وقد سمى كتابه (مغامرات لغوية) لأن النظرية التي يقترحها تحتاج من أجل تدعيهما إلى الكشف عن حقائق في اللغة العربية نفسها تؤكد أنها اللغة الإنسانية الأولى، وتبين نشأتها ومراحل اكتمال نظامها اللغوي.‏

دفعتنا آراء الأستاذ عبد الحق فاضل (الجريئة) – ولا نقول (المغامرة) – إلى طرح السؤال التالي: هل ترتبط بدائية نشأة اللسان العربي ببداية تشكل الكلام الإنساني؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من دراسة نشأة الألسن دراسة موضوعية، انطلاقاً من دراسة الأصوات اللغوية وباعتماد المنهج التاريخي العلمي لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية.‏

تستوجب دراسة نشأة الألسن من هذا المنطلق ما يلي:‏

1-تحديد المراحل التي مرت بها بداية تشكل الكلام الإنساني.‏

2-تحديد الصفات الموضوعية التي يجب أن يتصف بها أصل الكلام الإنساني في كل مرحلة.‏

3-تحديد الصيغة اللغوية – الأصل للكلام الإنساني في كل مرحلة.‏

4-بيان كيف تتطور الصيغة اللغوية – الأصل للكلام الإنساني وتؤلف نظاماً لغوياً مكتملاً.‏

إنه ليصعب نظرياً تصور استمرار وجود لغة طبيعية حية حتى الوقت الراهن، تحمل مادتها عناصر تتوافر فيها الصفات الموضوعية لأصل الكلام الإنساني، ويمكن أن تكون نموذجاً لبداية تشكل الكلام الإنساني. إلا أنه لا يوجد برأينا ما يحرّم من حيث المبدأ دراسة مادة لغوية للغة طبيعية، من أجل بيان هل تقدم مادتها العناصر التي تتوافر فيها الصفات الموضوعية لأصل الكلام الإنساني.‏

ثالثاً: نشأة الكلام الإنساني:‏

لدى دراسة نشأة الكلام الإنساني نعتمد المنهج التاريخي العلمي لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية. وسنقتصر في هذه المقالة على عرض الفقرات الثلاث التالية:‏

1-مراحل بداية تشكل الكلام الإنساني.‏

2-الصفات الموضوعية للصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني.‏

3-تحديد الصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني.‏

آ-مراحل بداية تشكل الكلام الإنساني(19):‏

كانت اللغة الصوتية (لغة الألفاظ) اللغة الإنسانية الأصلية المستخدمة وسيلة لاتصال الناس بعضهم ببعض. ويعني ذلك أن اللغة في نشأتها الأولى كانت منطوقة. ولما كانت البنية اللغوية تتألف من جانبين: صوتي (مادي) ودلالي (معنوي)، فمن الطبيعي أن يبدأ البحث في نشأة الألسن بتحليل الجانب المادي (الصوتي) للغة لأنه يمكن أن يخضع للتحليل والدراسة بشكل علمي (موضوعي).‏

ونرى أن فهم العلاقة المتبادلة بين التفكير واللغة يلقي الضوء على بداية تشكل الكلام الإنساني. توجد ثلاثة اتجاهات حول علاقة اللغة بالتفكير هي التالية:‏

1-فصل اللغة والتفكير بعضهما عن بعض. يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الأفكار تنشأ في رأس الإنسان قبل أن يتم التعبير عنها بالكلام، أي أنها تنشأ من دون مادة لغوية (بشكل عار من دون غلاف لغوي). وترى أن ما يدعو إليه هذا الاتجاه غير صحيح على الإطلاق، لأن الأفكار لا يمكن أن تنشأ وتوجد إلا بوساطة المادة اللغوية (أي المصطلحات والعبارات اللغوية)، ولا توجد أفكار عارية.‏

2-التطابق بين اللغة والتفكير. حاول كثير من النحويين والمناطقة إيجاد موازاة بين المفاهيم والكلمات وموازاة بين المحاكمات والجمل. ولكن الكلمات لا تعبر دائماً عن مفاهيم (مثال ذلك أدوات التعبير عن الشعور والتمني أو أسماء الإشارة)، كما أن أجزاء المحاكمات المنطقية لا تتطابق دائماً مع أجزاء الجملة. صحيح أن الأفكار تتولد بوساطة المادة اللغوية وتتثبت فيها، إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق أن اللغة والتفكير هما شيء واحد (أي متطابقان). إن قوانين المنطق قوانين عامة للبشر جميعاً (لأن البشر جميعاً يفكرون بشكل واحد)، ولكن التعبير عن الأفكار يتم بأشكال مختلفة في شتى اللغات (تبعاً للخصائص البنيوية لكل لغة).‏

3-اللغة والتفكير يشكلان وحدة لا انفصام فيها. لا يمكن أن تكون عمليات التفكير التي تتم في رؤوس الناس مجالاً لمراقبة موضوعية، لذا فإن التفكير يدرس قبل كل شيء من خلال اللغة، وبشكل أدقّ من خلال استخدامه في الكلام. ويرجع السبب في ذلك إلى أن اللغة والتفكير يكوّنان وحدة لا انفصام فيها: فاللغة تعتبر ظاهرة مستقلة على الرغم من التأثير الرئيسي للتفكير فيها، كما تقوم اللغة في الوقت نفسه بتأثير معاكس في التفكير. ويعني ذلك أنه لا يمكن أن توجد اللغة من دون التفكير، كما أن التفكير غير ممكن من دون اللغة، وقد نشأ كل من اللغة والتفكير في وقت واحد، ولا توجد أفكار عارية من دون غلاف لغوي.‏

إننا نتبنى المنهج التاريخي العلمي لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية الذي يقضي بأن يقوم البحث في نشأة الألسن على التلازم في الوجود بين اللغة والتفكير ووظيفة الاتصال.‏

لذا نرى أن تأكيد العلاقة المتبادلة بين تشكل الكلام الإنساني وتكوّن التفكير الإنساني يجب أن يقترن بتأكيد ارتباطهما بوظيفة الاتصال. ومن أجل بيان ارتباط اللغة والتفكير ووظيفة الاتصال، يرجع عادة إلى دراسة لغات الشعوب البدائية التي لا تزال توجد في بعض الأصقاع من المعمورة.‏

ذكر (ول ديورانت) أن "عند سكان استراليا الأصليين: ذيل الكلب له تسمية، وذيل البقرة له تسمية أخرى، ولا توجد كلمة تدل على (ذيل) بشكل عام. وأهل تسمانيا: يطلقون على كل نوع من الشجر اسماً، وليس لديهم كلمة واحدة تدل على (الشجرة) بصفة عامة. وهنود تشكتو: يطلقون اسماً على السنديانة السوداء وآخر على السنديانة البيضاء وثالثاً على السنديانة الحمراء، ولا يعرفون كلمة واحدة تدل على (السنديانة) بصفة عامة. وليس لديهم كلمة تدل على (الشجرة) بصفة عامة. وفي قبائل كثيرة لا تجد ألفاظاً تدل على الألوان مجردة عن الأشياء الملونة.. فمثل هذه الألفاظ المجردة تتكون وتتزايد – فيماً يظهر – مع تقدم الفكر لأن بينها وبين الفكر علاقة السبب والمسبب"(20).‏

وذكر ارنست فيشير أن "اللغة البدائية كانت مجموعة كلمات وتنغيمات موسيقية وحركات محاكاة. وبهذا يقول هيردر (تكونت مفردات اللغة الأولى ابتداءً من الأصوات الموجودة في الطبيعة. وكانت فكرة الموضوع ذاتها ما تزال معلقة بين الفعل والفاعل: كان على الصوت أن يدل على الموضوع، مثلما الموضوع ينتج الصوت)"(21).‏

وحين وصف الأستاذ ليفي برول أشكال الاتصال بين أفراد قبيلة في استراليا، أشار إلى أن لغات المجتمعات البدائية تعبِّر دائماً عن تصورات عن الأشياء والأفعال بنفس الشكل الذي تُدرَك فيه بالعين والأذن. والاتجاه العام في تلك اللغات ينحصر في وصف كل ما يمكن إدراكه بالحواس. وقد أشار الأكاديمي السوفييتي مارّ إلى أن البشرية في مرحلة ما قبل التاريخ كانت تفكر تفكير ما قبل المنطق، أي من دون مفاهيم مجردة. ويرى أنه يقابل تلك المرحلة من تطور التفكير مرحلة خاصة في تطور اللغة سماها مرحلة الكلام المؤلف من عناصر متصلة.‏

وهكذا يتبين أن الاتجاه العام في اللغات البدائية ينطلق من وصف كل ما يمكن إدراكه بالعين والأذن معاً، أي ينطلق من الشخص. ويعني ذلك أن مرحلة بداية تشكل الكلام الإنساني كانت مرتبطة بالمرحلة التي لم تكن قد ظهرت فيها المفاهيم المجردة.‏

فإذ أخذنا بالاعتبار أن خط السير العام لتطور التفكير الإنساني انطلق من المشخّص المحدد واكتمل بالانتقال إلى المجرد العام، تبين لنا أن إدراك العلاقة الذهنية بين الصوت وما يرمز إليه كان بداية تشكل التفكير الإنساني. ويعني ذلك أن بداية تشكل الكلام الإنساني قد مرت بالضرورة بطور أولي كانت فيه الصيغة اللغوية – الأصل للكلام الإنساني عبارة عن محاكاة لأصوات الحيوان والطبيعة، لأن تلك المحاكاة كانت بمثابة قرينة تساعد الإنسان البدائي القديم في الإدراك الذهني للعلاقة بين الصوت وما يرمز إليه، بحيث ينبثق المعنى من الصوت بشكل يكاد يكون عفوياً في الموقف الكلامي الذي يرتبط به، مما يمكِّن الصيغة اللغوية – الأصل للكلام الإنساني من أداء وظيفة الاتصال. ويعني ذلك أن تلك الصيغة كانت بالضرورة صيغة لغوية حقيقية تؤدي وظيفة اتصال، ولم تكن مطلقاً صيغة مثالية مفترضة غير مرتبطة بوظيفة الاتصال.‏

إن الصيغة اللغوية – الأصل للكلام الإنساني في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني (التي توجد فيها علاقة مناسبة طبيعية بين الصوت والمدلول نتيجة لمحاكاة أصوات الحيوان ثم أصوات الطبيعة) كانت تؤدي وظيفة اتصال في نطاق ضيق جداً. ولكن بالمقابل لعبت دورين هامين: الأول – تجلى في البدء باستخدام الأصوات في الكلام الإنساني، والثاني – تجلى في بداية تشكل التفكير الإنساني عن طريق إدراك العلاقة بين الصوت والمدلول.‏

ونرى أن الحاجة إلى التوسع في وظيفة الاتصال التي تؤديها اللغة قد اقتضت الانتقال من محاكاة أصوات الحيوان والطبيعة إلى عدم محاكاتهما. ويعني ذلك أن بداية تشكل الكلام الإنساني مرت بالضرورة بطور ثنِ ظهرت فيه صيغة لغوية – أصل للكلام الإنساني جديدة لا توجد فيها بين الصوت والمدلول علاقة مناسبة طبيعية، بل كانت العلاقة بينهما اصطلاحية.‏

ب-الصفات الموضوعية للصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني(22).‏

إن أهم طرق التعبير الإنساني(23) نوعان: تعبير طبيعي عن الانفعالات وتعبير إرادي. يشمل التعبير الطبيعي عن الانفعالات جميع الأمور الفطرية غير المقصودة التي تصحب مختلف الانفعالات السارة والأليمة. وتشترك معظم فصائل الحيوان مع الإنسان في التعبير الطبيعي عن الانفعالات. كما تشترك بعض فصائل الحيوان مع الإنسان في التعبير الإرادي البصري، أي التعبير بالإشارة. وقد أنكر بعض العلماء وجود الإشارات ذات الدلالة المقصودة عند الحيوانات. ويرون أن كل الإشارات الحيوانية التي يخيل أنها من هذا النوع هي في الحقيقة فطرية وأنها لا تدل المخاطب على شيء معين، بل تقتصر على إثارة نشاطه في ناحية يحددها العمل الذي سيتلو الإشارة.‏

وقد اختص الإنسان من سائر الفصائل الحيوانية بالتعبيرات الإرادية السمعية (التي هي أصوات مركبة ذات مقاطع تتألف منها الكلمات). تتميز أصوات الحيوان بأنها أصوات مبهمة عارية عن المقاطع والكلمات. إنها أصوات غير متميزة العناصر، أي هي عبارة عن مجموعة من الأصوات المندمجة بعضها ببعض. أما اللغة الإنسانية الصوتية فتتميز بأنها أصوات غير مبهمة، مركبة وذات مقاطع تتألف منها كلمات وجمل. هذا وتصدر عن بعض طوائف الحيوان أصوات شبيهة في ظاهرها بالتعبيرات الإرادية السمعية. ولكن يتبين بالتأمل في تلك الأصوات أنها عارية عن خصائص اللغة التي يجب أن تتصف بأنها:‏

1-مكتسبة لا فطرية.‏

2-إرادية تصدر عن قصد لا عن طريق آلي.‏

3-تتمثل في أصوات مركبة ذات مقاطع تتألف منها كلمات وجمل، لا في أصوات مبهمة.‏

4-تعبِّر عن معان لا عن انفعالات.‏

هذا ولا يمتاز الإنسان عن بقية فصائل الحيوان باللغة الصوتية فحسب، بل يمتاز عنها أيضاً بطائفة من المراكز المخية التي تشرف على مختلف مظاهر اللغة الصوتية(24).‏

وقد ثبت أن هذه المراكز لا يوجد لها نظير في مخ أي فصيلة حيوانية أخرى حتى الفصائل العليا من القردة نفسها. واختلف الباحثون اختلافاً كبيراً في نشأة مراكز اللغة (مركز الكلام، مركز حفظ الأصوات مركز الكلمات المرئية..) في الفصيلة الإنسانية.‏

ويبرز لدى بحث نشأة اللغة الصوتية السؤال التالي: كيف يتم الربط بين الصوت وما يدل عليه؟ يعتبر نشوء الكلام الإنساني من حيث آليته الفيزيولوجية والنفسية نتيجة لتثبيت وطيد في الدماغ للعلاقة الانعكاسية الشرطية أو للاقتران بين صوت معين يسمعه الإنسان أو يلفظه وحركة عضلات أعضاء النطق، بينه وبين صورة الشيء الذي يستدعي ذلك الفعل المنعكس، وكذلك بينه وبين الانطباعات عن النتائج التي ترافق ذلك الصوت. ونظراً لكون عمليات الكبح الداخلية ضعيفة النمو في قشرة دماغ الإنسان القديم البدائي، فإن الانفعالات التي لا يمكن إخفاؤها كانت تسيطر على كل نشاطه. ويتم التعبير عن تلك الانفعالات بشتى أنواع حركات أعضاء جسم الإنسان (تعابير الوجه، التمثيل الصامت، إشارات اليد، حركات عضلات جهاز النطق). وكانت الأصوات (التي يكرر إصدارها الإنسان البدائي في وضعية معينة) تؤثر على قشرة الدماغ وتستدعي تشكيل ارتباط مؤقت بين هذه الأصوات وما كان يصاحبها. ثم أدت الخبرة الحياتية للإنسان إلى تطوير النشاط التحليلي – التركيبي للمكونات السمعية والكلامية والحركية.‏

ولا بد من الإشارة إلى أن إدراك علاقة الأصوات الملفوظة بما تعبر عنه وبالنتيجة المتوقعة لتأثيرها على الآخرين أمر اقتضته طبيعة اتصال الناس بعضهم ببعض. وأرى أن محاكاة الإنسان البدائي القديم لأصوات الحيوان والطبيعة كانت قرينة ساعدته في إدراك العلاقة بين الصوت وما صار يرمز إليه. فظهرت بذلك البداية الأولى في تكون التفكير الإنساني وتشكل الكلام الإنساني.‏

وننوه بأن الدراسات الأنثروبولوجية أثبتت أن الإنسان القديم لم يكن بمقدوره أن ينطق أصواتاً منفصلة بعضها عن بعض، لأن البنية التشريحية لأعضاء النطق عنده كانت تمكنه فقط من نطق أصوات مندمجة بعضها ببعض. فإذا أخذنا هذه الحقيقة العلمية بعين الاعتبار، تبين لنا أن الفترة التاريخية التي انفصلت فيها مجموعة الأصوات المندمجة بعضها بعض عن ارتباطها بالانفعال وارتبطت بالأشياء الموجودة في الواقع (أو بشكل أدق برموز تلك الأشياء) كانت تمثل نقطة انعطاف هام باعتبارها بداية تشكل الكلام الإنساني. فقد انتقل الصوت حينئذٍ من كونه وسيلة للتعبير العفوي عن الانفعال وأصبح وسيلة للتعبير الإرادي السمعي. ولعب أشكال ملامح الوجه وإشارات اليد المختلفة دوراً كبيراً في ذلك الانتقال.‏

يميز عالم النفس ليف فيجوتسكي مستويين للكلام: المستوى الدلالي المتصل بالمعنى والمستوى الصوتي الخارجي. ويرى أن هذا التمييز لا ينفي الوحدة بينهما، ويؤكد أنها ليست وحدة تجانس وإنما هي وحدة تركيب. ويتحرك هذان المستويان في اتجاهين: فمن ناحية الكلام الخارجي يتقدم الطفل من الجزء إلى الكل، فهو يبدأ بكلمة واحدة ويتجه نحو الجمل. أما من ناحية المعنى، فيسير في الاتجاه المعاكس. فالكلمة الأولى تمثل بالنسبة للطفل جملة كلية، ثم يأخذ في التمكن من الوحدات الدلالية المنفصلة.‏

يوضح هذا التحليل ضرورة التمييز بين الجانبين الصوتي والدلالي، ويشير إلى أن هذا التمييز هو أساس وحدتهما. فتفكير الطفل الذي يكون في البداية كلاً غير متميز ينبغي أن يجد تعبيراً في كلمة مفردة. وكلما صار تفكير الطفل أكثر تمايزاً يقل ميله إلى التعبير عنه بكلمات مفردة. ومن ناحية أخرى يساعد التقدم في الكلام إلى الكل المتميز في الجملة أفكار الطفل كي تتقدم من الكل المتجانس إلى أجزاء أكثر تحديداً.‏

ويرى فيجوتسكي أنه لا يمكن فهم العلاقة بين التفكير والكلام من دون فهم واضح للطبيعة النفسية للكلام الداخلي. ويعرّف الكلام الداخلي بأنه كلام للذات، أما الكلام الخارجي فهو كلام للآخرين. إن الكلام الخارجي هو تحويل للتفكير إلى كلمات، أما في الكلام الداخلي فتنعكس العملية إذ يتحول الكلام إلى تفكير داخلي. ويعني ذلك أن تركيبهما يجب أن يختلف.‏

وهكذا يتبين أن الوحدة بين مستوى الصوت ومستوى المعنى في الكلام هي وحدة تركيب، وأن الكلمة الأولى تمثل بالنسبة للطفل جملة كاملة لأن تفكيره ينطلق في البداية من الكل غير المتميز(25).‏

في ضوء ما تقدم، واستناداً إلى المنهج التاريخي العلمي لمدرسة أبي علي الفارسي اللغوية، نرى أن الصفات الموضوعية للصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني هي التالية:‏

1-أن تكون تعبيراً عمّا يمكن إدراكه بالعين والأذن معاً، أي عن شخص محدد بحاستي السمع والبصر معاً.‏

2-أن تكون من الناحية الصوتية كلمة واحدة وتفيد من ناحية المعنى كلاماً تاماً (أي جملة) يشتمل على فائدة (أي يؤدي وظيفة اتصال).‏

3-وبما أن البنية التشريحية لأعضاء النطق عند الإنسان كانت تمكنه فقط من نطق أصوات مندمجة بعضها ببعض (كما أثبتت ذلك الدراسات الأنثروبولوجية)، فإن ذلك يعني أن الصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني كانت تلفظ بالضرورة في مجموعة واحدة من الأصوات المتصلة. فالكلمة كانت في الطور الأول تتألف من مجموعة واحدة من الأصوات المتصلة.بعضها عن بعض وكانت لذلك تلفظ في مقطع صوت واحد. ولا يتحقق ذاك إلا في تقليد أصوات الحيوان.‏

جـ-تحديد الصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني(26).‏

تقسم الكلمات في أي لغة إلى مجموعتين كبيرتين:‏

1-كلمات مستقلة بالفهم Autosemantic words.‏

2-كلمات غير مستقلة بالفهم Syntactic words.‏

وتبعاً لوجود (أو عدم وجود) إمكانية للتعبير عن الربط الإسنادي بوساطة صيغة الكلمة المستقلة بالفهم نفسها، يمكن تقسيم الكلمات المستقلة بالفهم إلى فئتين:‏

الأولى – الصيغ الشخصية المصرفة للفعل. تشير إلى الربط الإسنادي (وتقابلها صيغ الفعل العربي).‏

الثانية – جميع صيغ الكلمات المستقلة بالفهم باستثناء الصيغ الشخصية المصرفة لفعل. لا تشير إلى الربط الإسنادي (وتقابلها صيغ الاسم العربي).‏

تقسم الكلمات المستقلة بالفهم في العربية إلى صنفين – الفعل والاسم. ويتميز الفعل في العربية بأنه يكون دائماً في صيغة شخصية مصرفة. لذا فإن صيغة الفعل العربي تفيد جملة لأنها تشتمل على مسند ومسند إليه.‏

هل الاسم (أي صيغ الكلمات المستقلة بالفهم باستثناء الصيغ المصرفة للفعل) هو أصل الكلام الإنساني؟‏

الاسم نوعان: اسم عين واسم معنى. لا يمكن أن يكون اسم المعنى أصلاً للكلام الإنساني، لأنه لا تتوافر فيه خاصتان من خصائص أصل الكلام الإنساني في الطور الأول:‏

آ)لا يمكن أن يكون تعبيراً عمّا يدرك بالعين والأذن معاً لأنه مجرد (أي غير مشخص على الإطلاق).‏

ب)لا يفيد معنى كلام تام (أي جملة) لأن صيغته لا تفيد الإسناد.‏

كما أن اسم العين لا يمكن أن يكون أصلاً للكلام الإنساني في الطور الأول، لأنه لا تتوافر فيه كذلك خاصتان من خصائص أصل الكلام الإنساني:‏

آ)يمكن أن يكون تعبيراً عما يدرك فقط بالعين دون الأذن،أي يكون مشخصاً بحاسة البصر فقط.‏

ب)لا يفيد معنى كلام تام (أي جملة) لأنه يفيد معنى العين فقط، ولا بد في الكلام من مسند ومسند إليه.‏

ويعني ذلك أن الاسم (سواء أكان اسم معنى أم اسم عين) لا يمكن أن يكون أصلاً للكلام الإنساني في الطور الأول. ولا يبقى أمامنا سوى البحث عمّا إذا كانت الصيغ الشخصية المصرفية للفعل تصلح أصلاً للكلام الإنساني في الطور الأول.‏

هل الصيغ الشخصية المصرفية للفعل هي أصل الكلام الإنساني؟‏

يمكن أن تتوافر في الصيغ الشخصية المصرفة للفعل الخاصة الثالثة المميزة لأصل الكلام الإنساني في الطور الأول، إذا كانت تقليداً لأصوات الحيوان، لأنها تلفظ حينئذ مندمجة في مقطع صوتي واحد. ويمكن أن تتوافر فيها الخاصة الأولى المميزة لأصل الكلام الإنساني في الطور الأول (بن تكون تعبيراً عن مشخص محدد بحاستي السمع والبصر معاً)، إذا كانت تفيد حدثاً جرى في الزمن الماضي قد سمعه وشاهد الحيوان الذي قام به كل من المتكلم والمخاطب، أي إذا كانت صيغة الفعل الماضي تحمل خبراً غير ابتدائي بالنسبة للسامع. ولا حاجة في مثل هذا الموقف الكلامي أن تشتمل صيغة ذلك الفعل الماضي الذي قام به ثالث (غير المتكلم وغير المخاطب) على ما يتصل بها لفظاً للإشارة إلى المسند إليه، لأن الموقف الكلامي الراهن يشير إلى أنها تتضمن ذهنياً (لا صوتياً) الإشارة إلى المسند إليه. وبذا تتوافر في هذه الصيغة للفعل الخاصة الثانية المميزة لأصل الكلام الإنساني في الطور الأول، لأن صيغة الفعل الماضي للشخص الثالث في الخبر غير الابتدائي عبارة عن كلمة واحدة من الناحية الصوتية، ولكنها تفيد من حيث المعنى كلاماً تاماً (أي جملة) يشتمل على المسند (الحدث) والمسند إليه (الفاعل) الذي تتضمنه ذهنياً صيغة الفعل في ذلك الموقف الكلامي (حين يكون الخبر غير ابتدائي).‏

وهكذا يمكننا أن نقرر أن الصيغ الشخصية المصرفية للفعل تصلح من حيث المبدأ أن تكون أصلاً في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني، إذا توافرت فيها ثلاثة شروط:‏

1-أن تكون تقليداً لأصوات الحيوان فتلفظ مندمجة في مقطع صوتي واحد.‏

2-أن تكون صيغة الزمن الماضي الخاصة بالشخص الثالث.‏

3-أن تكون مستخدمة في خبر غير ابتدائي، أي أن يكون كل من المتكلم والمخاطب قد سمع الحدث الذي يتم تقليد صوته وشاهد الحيوان الذي قام به.‏

رابعاً: أصالة اللسان العربي تكشف أن بدائية نشأته ترجع إلى الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني.‏

ذكرنا أعلاه أن دراسة مفردات المعجم العربي تكشف بجلاء عن وجود شبه بين كثير من ألفاظ اللسان العربي وأصوات الحيوان والطبيعة، الأمر الذي يشير إلى بدائية نشأة اللسان العربي. وبما أن نظام المعجم في العربية يقوم على الرجوع إلى أصل الفعل الثلاثي المجرد من حروف الزيادة، فقد طرحت السؤال التالي: هل تتوافر في أصل الفعل العربي ثلاثي الأصوات الصامتة الصفات الموضوعية للصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني؟‏

أجبت عن هذا السؤال في مقالتي "أصل الفعل العربي وأصل الكلام الإنساني(27)". وبرهنت على أنه تتوافر في صيغة أصل الفعل العربي ثلاثي الأصوات الصامتة التي هي عبارة عن محاكاة لأصوات الحيوان (شحج، نزب) الصفات الموضوعية الثلاث للصيغة اللغوية – الأصل في الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني. وأكتفي هنا بإحالة القارئ إلى تلك المقالة.‏

وفي ضوء إثبات أن نشأة اللسان العربي تعود إلى الطور الأول من بداية تشكل الكلام الإنساني، سأطرح في المقالة التالية نظرة جديدة في دراسة بنية اللسان العربي.‏

***‏

القصیدة الكوثرية

رضا الموسوي الهندي
1290 - 1362 هـ / 1873 - 1943 م
أبو أحمد السيد رضا بن محمد بن هاشم بن مير شجاعة علي النقوي الرضوي الموسوي الهندي.
عالم كبير وأديب مشهور، وشاعر مجيد.
ولد في النجف ونشأ بها على أبيه، ثم انتقل إلى سامراء مع والده، فمكث فيها ثلاث عشرة سنة، إلى أن عاد إلى النجف مرة أخرى، حيث أخذ العلم عن كبار مشايخها.
وشعره من الطبقة العالية قوة ورقة وانسجاماً.
توفي في الفيصلية من توابع لواء الديوانية بالسكتة القلبية ودفن في النجف.
له ديوان شعر في مدح آل البيت ورثائهم.
وله: (الميزان العادل بين الحق والباطل - ط)، (سبيكة العسجد في تاريخ أبجد)، (شرح الطهارة)، (كتاب في العروض مفقود).

و إليك القصيدة الكوثرية

وقال أيضاً:
المتدارك
أَمُفَلَّجُ ثغرك أم جوهر                ورحيقُ رضابك أم سُكَّر
قد قال لثغرك صانعه                 إنَّا أعطيناك الكوثر
والخال بخدِّك أم مسكٌ             نَقَّطتَ به الورد الأحمر
أم ذاك الخال بذاك الخدِّ            فتيتُ الندِّ على مجمر
عجباً من جمرته تذكو              وبها لا يحترق العنبر
يا مَن تبدو ليَ وفرتُه               في صبح محياه الأزهر
فأُجَنُّ به بالليل إذا                  يغشى والصبح إذا أَسفر
ارحم أرِقاً لو لم يمرض             بنعاس جفونك لم يسهر
تَبيَضُّ لهجرك عيناه                حزناً ومدامعه تحمر
يا للعشاق لمفتونٍ                بهوى رشأ أحوى أحور
إن يبدُ لذي طرب غنَّى            أو لاح لذى نُسُكٍ كَبَّر
آمنت هوىً بنبوته                  وبعينيه سحر يؤثر
أصفيت الودَّ لذي مللٍ             عيشي بقطيعته كدَّر
يا من قد آثر هجراني              وعليَّ بلقياهُ استأثر

ادامه نوشته

قيثارة الدهر

المُتَنَبّي
303 - 354 هـ / 915 - 965 م
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، أبو الطيب.
الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة.
ولد بالكوفة في محلة تسمى كندة وإليها نسبته، ونشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس.
قال الشعر صبياً، وتنبأ في بادية السماوة (بين الكوفة والشام) فتبعه كثيرون، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه.
وفد على سيف الدولة ابن حمدان صاحب حلب فمدحه وحظي عنده. ومضى إلى مصر فمدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه، فلم يوله كافور، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه.
قصد العراق وفارس، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز.
عاد يريد بغداد فالكوفة، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه، ومع المتنبي جماعة أيضاً، فاقتتل الفريقان، فقتل أبو الطيب وابنه محسّد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد.
وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني، الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة، وهي من سقطات المتنبي.

البحتري

البُحتُرِيّ
206 - 284 هـ / 821 - 897 م
الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري.
شاعر كبير، يقال لشعره سلاسل الذهب، وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم، المتنبي وأبو تمام والبحتري، قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري.
وأفاد مرجوليوث في دائرة المعارف أن النقاد الغربيين يرون البحتري أقل فطنة من المتنبي و أوفر شاعرية من أبي تمام.
ولد بنمنبج بين حلب والفرات ورحل إلى العراق فاتصل بجماعة من الخلفاء أولهم المتوكل العباسي وتوفي بمنبج.
له كتاب الحماسة، على مثال حماسة أبي تمام.

أبو تمام

أَبو تَمّام
188 - 231 هـ / 803 - 845 م
حبيب بن أوس بن الحارث الطائي.
أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها.
كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع.
في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني.
وذهب مرجليوث في دائرة المعارف إلى أن والد أبي تمام كان نصرانياً يسمى ثادوس، أو ثيودوس، واستبدل الابن هذا الاسم فجعله أوساً بعد اعتناقه الإسلام ووصل نسبه بقبيلة طيء وكان أبوه خماراً في دمشق وعمل هو حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية.
وفي أخبار أبي تمام للصولي: أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء.

إرهاصات النشأة في النحو العربي

إرهاصات النشأة في النحو العربي ـــ محمد زغوان

بعد الانسياح والتوسع الذي دشّن الإسلام عهده، وجد العرب أنفسهم ينفتحون على ثقافات وأمم شتى بخطا متسارعة بعد عملية البعث الطفري والتحول المفاجئ الذي أحدثه القرآن في تلك البحيرة الراكدة، وكان لابد لهم أن يحصنوا أنفسهم أمام زحف تلك الموجات الثقافية العاصفة بكل ما تحمله من تكلسات وشوائب وعقائد لا قبل لهم بها، ولا يملكون معها شداً ولا إرخاء، فكان السعي إلى تجذير الصلة وتعميق أساسات البناء يمر حتماً بترسيم اللغة العربية التي هي لسان القرآن الناطق، ولسان الدولة الناشئة والحقائق على الأرض تنطق بالصوت الفصيح العالي أن لابد من لغة قومية تقوم بها الدنيا ويستمر نشر الدين، وقد ترجم الأسلاف عن هذه القناعة في حركة عملية لا نزال إلى اليوم نفخر بها، ونباهي بها الورى وربما عدَّت من أزهى عصور العربية.‏

ادامه نوشته

ملك الشعراء احمد مطر

أحمد مطر

أحمد مطر شاعر عراقي الجنسية ولد سنة 1954 ابناً رابعاً بين عشرة أخوة من البنين والبنات، في قرية التنومة، إحدى نواحي شط العرب في البصرة. وعاش فيها مرحلة الطفولة قبل أن تنتقل أسرته وهو في مرحلة الصبا، لتقيم عبر النهر في محلة الأصمعي.

 مكان الولادة

التنومة - مكان الولادة - كان لها تأثير واضح في الشاعر، فهي (كما يصفها) تنضح بساطة ورقّة وطيبة، مطرّزة بالأنهار والجداول والبساتين، وبيوت الطين والقصب، وأشجار النخيل

بداية مشوار الشعر

وفي سن الرابعة عشرة بدأ مطر يكتب الشعر، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية، لكن سرعان ماتكشّفت له خفايا الصراع بين السُلطة والشعب،فألقى بنفسه في فترة مبكرة من عمره، في دائرة النار، حيث لم تطاوعه نفسه على الصمت، ولا على ارتداء ثياب العرس في المأتم، فدخل المعترك السياسي من خلال مشاركته في الاحتفالات العامة بإلقاء قصائده من على المنصة، وكانت هذه القصائد في بداياتها طويلة، تصل إلى أكثر من مائة بيت، مشحونة بقوة عالية من التحريض، وتتمحور حول موقف المواطن من سُلطة لاتتركه ليعيش. ولم يكن لمثل هذا الموقف أن يمر بسلام، الأمر الذي اضطرالشاعر، في النهاية، إلى توديع وطنه ومرابع صباه والتوجه إلى الكويت، هارباً من مطاردة السُلطة.

حياته في الكويت

وفي الكويت عمل في جريدة القبس محرراً ثقافياً كما عمل أستاذ للصفوف الابتدائية في مدرسة خاصة، وكان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حيث مضى يُدوّن قصائده التي أخذ نفسه بالشدّة من أجل ألاّ تتعدى موضوعاً واحداً، وإن جاءت القصيدة كلّها في بيت واحد. وراح يكتنز هذه القصائد وكأنه يدوّن يومياته في مفكرته الشخصيّة، لكنها سرعان ما أخذت طريقها إلى النشر، فكانت "القبس" الثغرة التي أخرج منها رأسه، وباركت انطلاقته الشعرية الانتحارية، وسجّلت لافتاته دون خوف، وساهمت في نشرها بين القرُّاء.

أحمد مطر وناجي العلي

وفي رحاب القبس عمل الشاعر مع الفنان ناجي العلي، ليجد كلّ منهما في الآخر توافقاً نفسياً واضحاً، فقد كان كلاهما يعرف، غيباً، أن الآخر يكره مايكره ويحب مايحب، وكثيراً ماكانا يتوافقان في التعبير عن قضية واحدة، دون اتّفاق مسبق، إذ أن الروابط بينهما كانت تقوم على الصدق والعفوية والبراءة وحدّة الشعور بالمأساة، ورؤية الأشياء بعين مجردة صافية، بعيدة عن مزالق الإيديولوجيا.

وقد كان أحمد مطر يبدأ الجريدة بلافتته في الصفحة الأولى، وكان ناجي العلي يختمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.

موقف السلطات العربية

ومرة أخرى تكررت مأساة الشاعر، حيث أن لهجته الصادقة، وكلماته الحادة، ولافتاته الصريحة، أثارت حفيظة مختلف السلطات العربية، تماماً مثلما أثارتها ريشة ناجي العلي، الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بنفيهما معاً من الكويت، حيث ترافق الإثنان من منفى إلى منفى. وفي لندن فَقدَ أحمد مطر صاحبه ناجي العلي الذي اغتيل بمسدس كاتم للصوت، ليظل بعده نصف ميت، وعزاؤه أن ناجي ما زال معه نصف حي، لينتقم من قوى الشر بقلمه.

 الانتقال إلى لندن

ومنذ عام 1986، استقر أحمد مطر في لندن، ليُمضي الأعوام الطويلة، بعيداً عن الوطن مسافة أميال وأميال، قريباً منه على مرمى حجر، في صراع مع الحنين والمرض، مُرسّخاً حروف وصيته في كل لافتة يرفعها. ينشر حاليا في جريدة الراية القطرية تحت زاوية "لافتات" و"حديقة الإنسان" بالإضافة إلى مقالات في "استراحة الجمعة".

ملك الشعراء

يجد كثير من الثوريين في العالم العربي والناقمين على الأنظمة مبتغاهم في لافتات أحمد مطر حتي أن هناك من يلقبه بملك الشعراء ويقولون إن كان أحمد شوقي هو أمير الشعراء فأحمد مطر هو ملكهم.

 وصلات خارجية